بسيونى الحلوانى
مشاهد من إيطاليا.. المصريون وحرامية ميلانو!!
قبل أن يتجول أوائل الثانوية العامة الذين كرمتهم جريدة الجمهورية هذا العام بزيارة إيطاليا في شوارع مدينة "ميلانو" للتعرف علي معالمها الحضارية حذرهم المترجم المصري الشاب "ماهر إسماعيل" من اللصوص الذين يتمركزون في بعض الشوارع.. وهنا سأل أحد الزملاء عن هوية هؤلاء اللصوص وما إذا كان من بينهم "مصريون" فارتسمت علامات الغضب علي وجه الشاب المصري المهذب وقال: أعمل مترجما للبوليس الإيطالي منذ سنوات عدة ولم يحدث أن وجدت لصا من المصريين.. المصريون هنا يعملون ويكافحون بشرف من أجل لقمة العيش الحلال.. وليسوا لصوصا ولن يكونوا.
هذه حقيقة وليست مجرد غيرة شاب مصري مثقف علي سمعة بلده وأهل وطنه فطوال رحلتنا وجولاتنا في المدن الإيطالية وجدنا مصريين شرفاء ناجحين في أعمالهم ومشروعاتهم الاستثمارية. يعمل بعضهم في أعمال بسيطة.. لكنها شريفة ومحترمة ولا يمكن أن تكون مصدر حرج لهم.
***
في روما كان الترحيب بنا في مطعم مصري أصيل يرتاده الإيطاليون في كل أيام الأسبوع يمتلكه المصري "....." ويعمل معه مجموعة من أبناء مصر الشرفاء. أكلنا من أيديهم وتحملوا عتابنا ورحبوا بنا وكانت صدورهم رحبة وأشعرونا أننا في مصر وهذا عكس ما وجدناه من صاحب مطعم إيطالي كان يحاسبنا علي عدد أنفاسنا ونحن في مطعمه وخدعنا وقدم لنا وجبة "بيتزا" غير مطابقة لأي مواصفات "لا مصرية ولا إيطالية" ومع ذلك أكلنا ودفعنا ما طلب منا وانصرفنا.
وفي ميلانو كان الترحيب أكبر في مطعم المصري الأصيل "أحمد إسماعيل" رجل محترم سافر شابا يبحث عن عمل وكافح وتزوج من إيطالية وقضي أكثر من 60 عاما مغتربا يشتاق لتراب الوطن لينهي حياته فيه مع أنه حصد ثمرة كفاحه مطعم كبير في أرقي أحياء ميلانو.. لم يكتف فقط بتجهيز طعام مصري فاخر لأولاده أوائل الثانوية العامة. بل أشعرهم بدفء الأب فنال إعجابهم وصفقوا له أكثر من مرة.
في كل مدينة إيطالية زرناها وجدنا مصريين يعملون ويكافحون بشرف من أجل لقمة العيش. لا يتأففون من أداء أي عمل شريف.. وجدنا "تامر" حامل المؤهل العالي يعمل في مطعم من سلسلة مطاعم شهيرة. يعمل بمهارة فائقة تؤكد أن المصريين يجيدون أي عمل يوكل إليهم حتي لو لم يتخصصوا فيه وليتهم في مصر يعملون ويكافحون كما يعملون خارج أوطانهم.
جهد وعرق المصريين في كل مكان يذهبون إليه هو مصدر تميزهم والترحيب بهم وتفضيلهم علي غيرهم من العمالة التي تتوافد علي البلاد الغربية وأيضا العربية. ولو بذل المصريون في الداخل ربع الجهد الذي يبذلونه في الخارج لنهضت مصر وتخلصت من كل أزماتها وعم خيرها علي كل أبنائها.. لكننا للأسف نعمل ونجد ونجتهد عندما يكون العمل والجهد لصالح بلاد أخري.
في أحد المطاعم الشهيرة في ضواحي ميلانو بإيطاليا استطاع "تامر" أن يعد 100 وجبة في أقل من نصف ساعة وهذا الجهد في هذا الوقت القصير يحتاج إلي مهارة لا تتوافر لكثيرين.. فقلت لأحد الزملاء لو كان المصريون عملوا في مصر بهذا الجهد لتغيرت أحوال مصر الاقتصادية فرد قائلا: يعملون هنا بهذه الطاقة لأنهم يجدون عائدا ماديا مناسبا.
قلت لزميلي العزيز: لا.. مشكلتنا في مصر أننا نعمل بقلب "جامد" ولا يهمنا الالتزام بالقوانين واللوائح المنظمة للعمل ولا يشغلنا كثيرا حجم الإنتاجية بل ما نبحث عنه هو الحوافز والمكافآت والامتيازات حتي لو كانت ظروف الشركة أو المؤسسة أو الهيئة التي نعمل بها خاسرة ومنهارة وعلي وشك الإفلاس.. وإذا ما وقعت علينا عقوبة بسبب تقصير أو إهمال نتظاهر ونحرض علي تعطيل العمل ونذهب إلي فضائيات الإثارة لكي تناصر ما نقوم به من بلطجة وتشويه لأماكن عملنا ومصدر رزقنا.
المصريون يعملون في الخارج في صمت ويحرصون علي قوانين ولوائح العمل ولا يستطيع أحد منهم أن "يبلطج" ويهمل في عمله أو يذهب إليه متأخرا أو ينصرف مبكرا. أو "يزوغ" أثناء عمله الرسمي. أو يهرب من واجباته الوظيفية بحجة الصلاة أو لأعذار تافهه.. لكن في مصر نستخدم كل أساليب البلطجة والتحايل لكي نهرب من العمل وعندما نسأل عن أسباب ذلك نسوق مبررات ساذجة لا يقبلها عقل ولا ضمير حي.
خارج حدود الوطن لا نتأفف من أي عمل وفي بلادنا نريد أن نجلس علي مكاتب في غرف مكيفة دون القيام بعمل حقيقي فالعمل الجاد والمخلص حلال للآخرين حرام علي بلادنا!!
***
علينا أن نراجع مواقفنا ونحي ضمائرنا ونعمل من اجل بلادنا كما نعمل من أجل تقدم واستقرار بلاد أخري.
بلادنا هي الاحق بجهدنا وعرقنا وإذا كنا نعمل ونلتزم في الخارج بقوانين وضوابط العمل ونقدم تضحيات كبيرة من أجل الاستمرار في أعمالنا والحصول علي رضا أصحاب العمل فعلينا ان نبذل الجهد نفسه ونقدم ذاك العطاء لبلادنا التي تحتاج إلي من يعمل بإخلاص فمشكلتنا الأساسية ليست في ندرة الموارد ولا في عدم وجود فرص عمل.. لكن المشكلة الحقيقية التي تعاني منها مصر أننا لا نعمل بإخلاص. ويتفنن الكثيرون منا في الحصول علي رواتب ومكافآت وحوافز بلا عمل حقيقي.
مصر في أمس الحاجة إلي عطاء المصريين.