بوابة الشروق
عماد الدين حسين
تفكير يقود إلى كارثة
من مظاهر الخلل الفادح والاستقطاب المدمر فى مصر أن الناس انقسمت إلى قسمين متناقضين تماما، بشأن زيارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لمصر. الفريق الأول المتفائل نظر إليها باعتبارها ستحل فورًا كل مشاكل مصر، والفريق الثانى المتشائم يراها شرا كاملا وستفاقم مشاكل مصر المتفاقمة أصلا.
الفريق الأول يعتقد أن مجرد هبوط طائرة بوتين فى مطار القاهرة، وسماعه الموسيقى العالمية فى الأوبرا، وتناوله العشاء فى مطعم البرج يعنى أن خريطة العالم تغيرت والشرور توقفت، والإرهاب اندحر إلى غير رجعة.
الفريق الثانى لا يرى فى زيارة بوتين أى شىء إيجابى بالمرة، يعتبرها فاشلة من أول عزف السلام الوطنى لروسيا نهاية بمخاطر المحطة النووية التى يفترض أن تبنيها روسا لمصر فى الضبعة.
أنصار الفريق الأول أوقفوا عقارب الزمن على حقبتى الخمسينيات والستينيات، يتصورون أن الاتحاد السوفييتى عاد للحياة مرة أخرى، وأن تشى جيفارا يحارب الاستعمار الغربى فى أدغال أفريقيا، بعد أن ساهم فى تحرير أمريكا اللاتينية. يعتقدون أيضا أن الاتحاد السوفييتى سوف يمُّدنا بالأسلحة والقمح والمصانع وكل ما نحتاجه مجانا نكاية فى «الإمبريالية الأمريكية».
الفريق الثانى يرى أن روسيا دولة فاشلة وبوتين ديكتاتور وما كان ينبغى أن ندعوه للزيارة أصلا، وإذا دعوناه لم يكن لينبغى استقباله بهذه الحفاوة، وأن الزيارة لم تحقق أية فائدة، والمحطة النووية ستنفجر قبل أن يبدأ تشغيلها.
الفريق الأول يرتكب خطأً قاتلا حينما يعتقد أنه يمكن إحلال روسيا محل أمريكا وأوروبا، لم يعد ذلك ممكنًا بالمرة، روسيا نفسها لا يمكنها أن تستغنى عن الغرب، والصين بكل إنتاجها لا تستغنى عن الأسواق الغربية والتكنولوجيا الأمريكية.. فهل تفعلها روسيا، وبالتالى هل نفعلها نحن و«حالنا يصعب على الكافر»؟!.t
هذا الفريق لابد أن يفيق على حقائق العصر ويتوقف عن التفكير بمنطق فتوات نجيب محفوظ فى «الحرافيش». وفى المقابل فإن كارهى السيسى عليهم أن يحكِّموا عقولهم، ولا ينظروا إلى كل ما يفعله باعتباره خطأً فى خطأٍ.
تناقض هؤلاء ــ خصوصا الإخوان وأنصارهم ــ أنهم يتهمون النظام المصرى بأنه تابع لأمريكا ولإسرائيل. لو كانوا كذلك لأيدوا السيسى فى صفقات السلاح مع روسيا وفرنسا؛ لأنها تقلل تبعيتنا لأمريكا. الرجل يحاول أن يبنى علاقات متوازنة مع كل القوى الدولية الكبرى، فهل هذا خطأ؟.
ومعارضوه لا يقولون لنا لماذا يعارضونه فى هذه النقطة.. إلا إذا كان جل همهم هو كراهية الرجل، أو أنهم يريدون لمصر أن تظل «عبدا» لأمريكا فى كل شىء .
طريقة تفكير الفريقين خاطئة والحقيقة تكمن فى المنتصف بالضبط.
زيارة بوتين كانت مفيدة لمصر، لكنها ليست كل شىء، وعندما توافق روسيا على بناء محطة للطاقة النووية، فهو تطور مهم جدا، لكنه يحتاج إلى أموال وكفاءات ونظام عمل متقن؛ حتى لا تتحول هذه المحطة إلى كارثة كبرى.
نحتاج إلى الدعم الروسى فى مجالات كثيرة، لكن فى المقابل فإن التلويح لأمريكا بأننا لا نحتاجها قد يجعلنا ندفع ثمنا فادحا.. واشنطن لاتزال قادرة على الإضرار بنا مثلما تفعل مع دول كثيرة أقوى منا وأكثر استقرارًا مثل إيران.
إذًا الذين هوَّنوا أو هوَّلوا من زيارة بوتين للقاهرة أخطأوا.
وفى الواقع فإن طريقة تفكير هؤلاء وأولئك هى التى ستقودنا إلى الهلاك ــ لا قدر الله ــ لأنها أحادية ولا ترى الآخر أو تؤمن به، وبالتالى فالمطلوب أن نتوقف عن هذه الطريقة فى التفكير ليس فقط فيما يتعلق بتقييم الزيارة أو حتى مجمل علاقتنا بروسيا، بل فى نظرتنا لكل شىء. لا أحد يحتكر الحقيقة، وكل شىء فى السياسة، مثلما هو فى الحياة نسبى وليس مطلقا.
علينا أن نتحلى بفضيلة التواضع قليلا، ونرى الأمور من مختلف جوانبها؛ حتى لا نستيقظ قريبا على كوارث، نحن فى غنى عنها، لأننا ورثنا منها الكثير من مبارك ونظامه.. هذا النظام الذى أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن.


اقرأ المزيد هنا: http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=15022015&id=3618a09c-214a-4ba2-9211-e86b8caca0cc
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف