المساء
أحمد عمر
الحج السعودي "2/3"
إن سقوط القتلي بالآلاف أثناء أداء شعائر الحج أمر يتنافي مع الرغبة الملموسة للدولة السعودية في رعاية المقدسات وخدمة الحجيج ولا يساند ما يتصل بهذا من مسئولية جسيمة علي المملكة تجاه مناصرة الإيمان في مواجهة الكفر والإلحاد.. وانتقاد الأخطاء التي ارتكبها المشرفون علي المشاعر المقدسة صار ضرورة تصب في مصلحة مساعي المملكة التي تنشد الكمال في أداء الفريضة والواجب.. وصار ضرورياً أيضاً إزالة اللبس ـ المتعمد أحيانا ـ بين مفاهيم كأن تكون المشقة جزءاً من شعائر الحج.. دون اعتبار لأن تكون المشقة المقصودة صنيعة أفراد "خائبين" تسببوا في إفساد المنظومة. وترتب عليها وقوع قتلي وضحايا.. وأن السكوت لن يساهم في إصلاح المسار ولا تقويم الخلل.. بل إن السكوت علي خطأ الإغلاق العشوائي للطرق والممرات دون اعتبار لحركة واحتياجات من هم خلف المتاريس تحول إلي خطيئة في منطقة مشاعر مني المقدسة بمصرع الآلاف من حجاج بيت الله أمام معسكر المصريين هناك.. ما جري في مني عايشت "بروفة" له داخل الحرم المكي نفسه قبل أيام من الكارثة. حيث كنت خارجاً بعد صلاة العشاء مع الزميلين محمد العزيزي رئيس تحرير جريدة "الرأي" الأسبق. ويحيي توفيق. رئيس قسم المحافظات بصحيفة "الأهرام" الأسبق. وإذا بممرات الخروج داخل ساحة الحرم قد أغلقت بالحواجز الثقيلة المتوفرة باستفاضة في كل مكان بالمشاعر.. وسرنا طويلاً حول الحرم. وقد اشتدت كثافة الحشود وضاقت الأنفس والصدور حتي تمكنا من الخروج من "عنق زجاجة" لا يتعدي عرضه المترين. كان هو المنفذ الوحيد الذي سمح به "رجال التنظيم" لمغادرة آلاف المصلين الحرم!!!... أو ما حدث في يوم العيد من إغلاق الطريق المؤدي إلي مشعر مني من مكة المكرمة. أمام الحافلات. فلم يعد أمام الحجاج سوي السير علي الأقدام لمسافة 9 كيلومترات. وفيهم الكبير والمريض. والضعيف بأعداد عجزت المرافق التي وفرتها المملكة لخدمتهم عن استيعابهم.. ولا أعتقد أن نظرية المؤامرة الخارجية لتبرير كارثة مني أمر يساعد في الإصلاح ولا أنها تخدم السلطات السعودية بل علي العكس إن نجاح التآمر لا يحسب نجاحاً للمسئولين عن الأمن.
لكن السير مترجلاً إلي مني عبر النفق الطويل الممتد أسفل الجبل لمسافة كيلومتر تقريباً يلفت الأنظار إلي ملامح عجيبة من الطبقية والاستعلاء غير المبرر يستحيل أن تكون في مخيلة صناع القرار في المملكة لتنافيها مع حجم التضحيات والجهد الواضح المبذول.. حيث تتلألأ أنوار قطار المشاعر الذي يمرق عالياً عند خط الأفق بركابه من أهل الخليج.. بينما "النيجرو" من الجنسيات الأخري يلتقطون أنفاسهم بصعوبة وهم يمشون وسط عوادم العربات الفارهة ذات الزجاج الأسود التي تمرق عابرة النفق قاصدة أبراجاً مكيفة فارهة أقيمت بجوار رمي الجمرات. بينما المشاة يبحث أسعدهم حظاً عن خيمة وآخرون يلتمسون أشباراً خالية يفترشونها علي الأرض..
وللحديث بقية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف