الوطن
نائل السودة
من يُنتج «داعش»؟
نشرت مجلة الثقافة الجديدة فى مارس الماضى ملفاً كاشفاً عن «مناهج الأزهر»، الأزهر الذى أقامته الدولة الفاطمية فى القرن الرابع الهجرى لتنشر به مذهبها الشيعى ثم انقلب سنياً بعد حوالى قرنين، لا بفضل بحث مخلص لوجه الله ولا بفضل قناعة علمية جديدة، وإنما بعد وصول الأيوبيين السنيين للحكم، وبعد ضغوط منهم عليه وصلت لمنع صلاة الجمعة فى رحابه، مما جعله، وحسب د. على مبروك، يبالغ فى التعصب للمذهب السنى تكفيراً، فيما يبدو، عن انتسابه الشيعى السابق، ما أدى إلى التعصب والتطابق بين المذهب والأزهر.

منهج الأزهر، كمؤسسة دينية، هو حفظ وبقاء وثبات الأفكار وتوريثها كالعقارات جيلاً وراء جيل مثلما هو طاعة وتبعية للحاكم تماماً.

ربما كان هناك مشايخ مجددون إلا أنهم معدودون، وربما كان هناك مواقف لبعض شيوخه فى عرض مظالم الناس، إلا أنه فى نهاية الأمر -كمؤسسة- يتبع الحاكم، يدعو ويخطب له، ويُحرم خلعه وإن ظلم وسرق وقتل.

يتأكد منهج التحفيظ والطبع فى الرأس وخلق تعصب مذهبى حينما يعطى لطفل فى الحادية عشرة فى المعاهد الأزهرية استمارة يملأها ويحدد أياً من المذاهب الأربعة الذى سيدرسه. يقول أحمد أبوخنيجر إن هذا الأمر ليس مطلق الحرية للطالب، فالمشيخة والمناطق الأزهرية تحدد كون المناطق مالكية أو شافعية بحجج مختلفة منها نقص المعلمين، ومثلاً فإن أغلب المناطق الصعيدية مالكية المذهب.

أليس من الأفضل تأجيل الاختيار للمرحلة الجامعية حتى يصبح الطالب قادراً على التمييز والاختيار؟ بل ما ضرورة هذه المذاهب الآن فى القرن الحادى والعشرين إلا كتاريخ.

ويكشف «أبوخنيجر» عن محاولة الشيخ سيد طنطاوى تبسيط المذاهب للطلاب فى كتب أصدرها سماها «الفقه الميسر»، ولكن الأزهريين تلاسنوا وتندروا عليها بلفظ الكتب الطنطاوية لأنه استفاد منها مادياً، ثم جاء شيخ الأزهر الجديد (الطيب)، وألغى كل الكتب التى تحمل اسم الشيخ السابق، وأعاد الكتب المملوكية والعثمانية المليئة بالحواشى والشروح، بل وأنشأ فصلاً مركزياً بكل محافظة ينتقى فيه أفضل الطلاب عقب الإعدادية، وعبر اختبارات خاصة ليدرسوا -حسب الطيب- الكتب الأزهرية القديمة فى أصولها؟!!

فهل يُعقل هذا؟

كنا نأمل فى الشيخ الطيب الذى درس شيئاً بفرنسا أن ينشئ فصولاً للطلاب الذين يولِّدون ويبدعون أفكاراً جديدة تناسب العصر وتحل مشكلات الأمة، خاصة أن هذا الطريق العتيق لم يؤدِّ لنفع لا فى الأزهر ولا فى الدين ولا فى الوطن.

يؤكد الشيخ الشعراوى أن المنهج الحالى لعلوم اللغة به خلل فى الجهاز العلمى وفى المنهج التطبيقى، ونتيجة لذلك كان فشل المنهج واضحاً فى مناقشات الطلاب شفوياً وفى إجابتهم تحريرياً.

مناهج التدريس بالأزهر لا تواكب التطور فى اللغة والأدب، كما أن كليات اللغة العربية وأصول الدين والشريعة والدراسات الإسلامية تخلو من المواد التربوية والنفسية التى تُعنى بالمناهج وطرق التدريس.

هل تعلمون -حسب د. صابر عبدالدايم- أن طلاب الصف الثالث الإعدادى يأخذون موضوعاً عن أحكام الظهار وآخر عن أحكام الجنايات وأنواع القتل؟ بل هل تتصورون أن طالباً فى الإعدادية يدرس مقرراً عن سؤال القبر، عذاب القبر ونعيمه، أهوال يوم القيامة!! كيف ينام مثل هؤلاء الأطفال ويطمئنون! أى خوف ورعب يزرعونه بهم؟ ثم إن هؤلاء يُعلمون حكم تارك الصلاة المفروضة (ولو صلاة واحدة) على جزأين، أحدهما: أن يتركها غير معتقد فى وجوبها فحكمه حكم المرتد! (أى وجوب استتابته وقتله إن لم يتب وعدم جواز غسله وتحريم الصلاة عليه ودفنه فى مقابر المسلمين). ثانيهما: أن يتركها كسلاً وهو معتقد لوجوبها عليه فيُستتاب ندباً أى يُطلب منه التوبة، فإن تاب وصلى خُلى سبيله ولا يُقتل، وإن لم يتب قُتل حداً لا كفراً!!

هذا ما يعلّمه الأزهر لأطفالنا.

من يستغرب إذن من ظهور قتلة داعش التى رفض الأزهر تكفيرها، ولكنه يكفّر غيرها ويدعو مثلها لقتلهم؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف