التحرير
سامح عيد
صراع الأجهزة
يقول المستشار طارق البشرى فى كتابه «الحركة السياسية فى مصر»، واصفًا أحداث 47 و48 عن تظاهرات العمال والفلاحين وغيرهم من فئات المجتمع وطبقاته، حتى وصل الأمر إلى جهاز الداخلية نفسه، وأنهم أضربوا جزئيًّا فى سبتمبر 47، ثم أمهلوا الحكومة للاستجابة إلى طلباتهم حتى 13 أكتوبر، وكانت طلباتهم تتمثَّل فى أن يتساوى العسكريون منهم برجال الجيش، وأن يتساوى الإداريون فى الجهاز برجال القضاء، وكانت هناك فروق مهمة بين الفئتين.

وفى 13 أكتوبر اجتمع الضباط بناديهم وامتنعوا عن العمل فى 15 أكتوبر، وسجَّلوا أسماءهم فى قصر عابدين، غادروا أقسام الشرطة واجتمع 500 منهم فى النادى، وأرسل 1772 من رجالهم فى الأقاليم برقيات تضامن معهم، وقابل الملك وقتها 20 من قياداتهم ووعدهم بدراسة مطالبهم، لكنه لجأ إلى تشريدهم فى القطر المصرى وأحال إلى الاستيداع 35 من قيادات الإضراب، بعدها اجتمع الضباط فى ناديهم فى مارس 48، وأعطوا مهلة حتى 15 أبريل، وأضربوا فى هذا اليوم واحتل الجيش أقسام الشرطة فى الإسكندرية وأضرب 4000 عن العمل، وسيطر الجيش وقتها على الشارع بأكمله وأضرب رجال الحرس الجمركى وتحرَّكوا فى الشارع وتصدَّى لهم الجيش وقتل منهم ثلاثة وأُصيب 27.

تضامن العمال مع الشرطة فى تظاهراتهم، وامتلأ ميدان المنشية بالجماهير، واشتعلت النيران بقسمَى الجمرك والميناء الصغير، واحترقت 15 عربة ترام، وبعض المحلات ودور السينما، وحدث تبادل إطلاق نار بين الجيش والشرطة، وكان عدد القتلى 27، وأُصيب 27 آخرون، وقررت الحكومة فصل مَن لم يذهب إلى عمله فى اليوم التالى، ومنع النشر فى الأحداث، وصُودرت بعض الصحف التى تحدَّثت، وتحدَّثت الصحف البريطانية يومها عن القضية، معربة عن قلقها، حتى قيل وقتها إن الملك ذهب إلى حرب 48 كنوع من الهروب إلى الأمام من المشكلات الداخلية، ربما كان هناك فى مصر صراع مكتوم قبل الثورة، لكن كان بطريقة معكوسة، فقد كان ضباط الجيش يشعرون بالغبن، لأن أقرانهم من ضباط الشرطة امتلك بعضهم شاليهات فى أماكن مختلفة، وامتلكوا أفخم السيارات ودخل أولادهم أفخم المدارس، رغم أن مرتباتهم الأساسية كانت أقل.

لكن كانت هناك أماكن مميزة كالكهرباء والجمارك وغيرهما، وكان وجودهم واحتكاكهم بالحياة المدنية يتيح لهم فرصًا للربح، عن طريق الاتجار فى الأراضى وغيرها من الأمور، وكان يتم تنفيث تلك الحالة فى صراعات وقتية، حيث حاصرت الكليات العسكرية عدة أقسام، بسبب احتجاز أقرانهم فيها، وكان يتم تدميرها، وكانت القيادة السياسية تتدخَّل لفض النزاع، وحدث أمر مشابه من فترة قصيرة، عندما تمت إهانة ضابط جيش فى كمين، فانتقم بتكدير الكمين بأكمله، وفى إحدى الجلسات الخاصة لهم، فى الوقت الذى كان مبارك يُعالج فى ألمانيا، قال أحدهم للآخر: لو الراجل الكبير وقع، النوبى ممكن يعمل إيه (يقصد المشير طنطاوى)، وصعد هذا الصراع المكتوم إلى السطح بعد الثورة، وكان من مظاهره اقتحام المدنيين أجهزة أمن الدولة وسرقة كل الملفات، وسكنت الأمور مؤقتًا لمواجهة الإرهاب، ولكن ما حدث فى سيناء مؤخرًا يشير إلى درجة من عدم التنسيق، وعدم التعاون، خصوصًا أن جهاز الأمن الوطنى هو جهاز المعلومات الخاص بالمدنيين، والذى يعرف الخريطة الجينومية لكل مواطن، وماذا كان يعمل جده السابع عشر، ومَن يعمل بالسلاح ومَن يعمل بالمخدرات، وقادر على عمل كنترول على الكثيرين، والوصول إلى المعلومات المسبقة، ولذلك فهناك شىء غير مفهوم. وقضية الألتراس أيضًا تثير كثيرًا من علامات الاستفهام!

فى كواليس أحد البرامج اختلفت مع لواء سابق على معلومة تخصّ أعداد الإخوان، وارتفع صوته غاضبًا، وعندما أكدت له أن الرئيس قال نفس المعلومة، وفى حالة غضبه الشديدة قال ويعرف إيه رئيس المخابرات الحربية ده! .

فى لحظة غضب، خرج ما يحدّثه به عقله الباطن، وربما تكون تلك مشاعر بعضهم، لو استمرت خناقة، مين السواق ومين التبَّاع كثيرًا، العربية هتلبس فى الحيطة، سيادة الرئيس تدخَّل بهدوء، ولكن بحسم، فالأمر جد لا هزل، وللحديث بقية إن كان فى العمر بقية، وإن كان فى هامش الحرية متسع.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف