الوطن
د. محمود خليل
المواطن فى «بيت الرعب الاقتصادى»
لم تعد المؤتمرات التى تحضرها أطراف حكومية أداة لعرض أفكار ورؤية الحكومة حول أساليب التعامل مع المشكلات العاجلة والمشروعات الآجلة التى تنتوى القيام بها، بل غدت نافذة لعرض وتهيئة الرأى العام المصرى لقرارات مرعبة، تزمع الحكومة اتخاذها. المؤتمر الاقتصادى الثانى لـ«أخبار اليوم» هو آخر هذه المؤتمرات، ولعلك تذكر أن المؤتمر الذى سبقه (مؤتمر اليورومنى) كان ساحة لعرض ذلك التصريح الخطير الذى أدلى به وزير الاستثمار، وأشار فيه إلى أن تخفيض الجنيه أمام الدولار لم يعد اختيارياً، وظن البعض وقتها أن هذا التصريح سيطيح بالوزير من الحكومة الجديدة التى كلف الرئيس، المهندس شريف إسماعيل بتشكيلها، لكن الوزير كوفئ بالاستمرار، لأنه ببساطة كان يقوم بالدور المطلوب منه، ولم يكن يجتهد من عندياته!.

مؤتمر «أخبار اليوم» كان معرضاً لإرعاب الشعب مما هو قادم، فمن الحديث عن الدولار وأزمة الاحتياطى النقدى، ثم قرار برفع سعره، وحديث عن أن التعاقدات التى أبرمها التجار قامت على تسعير الدولار بعشرة جنيهات مصرية (تقرير بلومبرج)، إلى الحديث عن المعاشات التى تتحمل الدولة 55 ملياراً من تكلفتها، وكأن الحكومة تدفع من جيبها، وليس من أموال التأمينات والمعاشات المخصومة مسبقاً من الموظفين بالدولة، وكلام عن ضرورة رفع أسعار البنزين والسولار، وغير ذلك من أمور تؤشر إلى أن الحكومة قررت أن ترفع يدها عن كل شىء، وأن تترك المواطن المصرى يعالج أقداره بنفسه.

الأمر فى تقديرى جد خطير، والاقتصاد المصرى يعيش مأزقاً حقيقياً، فعجز الحكومة عن جلب استثمارات جعلها تنطلق فى كل الاتجاهات، وتدخل فى لعبة «الاستربتيز الاقتصادى»، من أجل تقديم المغريات للمستثمرين الأجانب، وتقديم التنازلات -أو ما يسمى الإصلاحات الهيكلية- لجهات التمويل والإقراض، فربما يؤدى ذلك -كما تتمنى الحكومة- إلى تحريك عجلة تدفق الاستثمارات إلى مصر، بعد أن عجز مؤتمر شرم الشيخ عن تحريكها. ولست أدرى إلى أى مدى يمكن أن تسهم هذه الإجراءات التى يدفع فاتورتها المواطن فى التغلب على العقبات التى تمنع الاستثمار الأجنبى فى مصر، خصوصاً أن بعضها يرتبط بمواقف سياسية لدول، لم تفلح آلة السياسة الخارجية فى تحييد مواقفها إزاء الأحداث التى تشهدها مصر.

تصريحات الحكوميين خلال المؤتمر الثانى لـ«أخبار اليوم» تؤشر إلى أن الحكومة قررت إدخال المواطن «بيت الرعب الاقتصادى»، من خلال تحميله القسم الأكبر من فاتورة الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها البلاد، والمواطن أصبح حصاناً مرهقاً، والكل يعلم أنه لن يحتمل المزيد من الإعياء من جانب السلطة، السلطة التى ترى أن اتخاذ قرارات بزيادة الضرائب، وتغطيس الجنيه أمام الدولار، وخفض الدعم على السلع، والتخلص ممن يمكن التخلص منهم من الموظفين، هو المعادلة السحرية للإصلاح الاقتصادى، ولست أدرى أى سحر فى هذا؟!. أى سحر فى أن تحل مشكلاتك من جيب غيرك، دون اجتهاد حقيقى منك، أو الاجتهاد فى حلول يثبت الواقع أنها ليست ذات جدوى، على الأقل فى المرحلة الحالية. واقع الحال يقول إن السلطة فى مصر «متلخبطة»، وإن المواطن يدفع ثمن «لخبطتها»!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف