اعتمد الرئيس «السيسى» فى خطابه للمصريين عشية بدء التصويت بالمرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية على التيمة العاطفية التى يفضل استخدامها، فى الحالات التى يرغب فيها فى حشد المصريين، نجح الرئيس فى توظيف هذه التيمة بشكل ملفت، عندما دعا المصريين إلى النزول يوم 26/7/2013، ونجح فى ذلك بشكل مقبول، حين استحثهم على النزول للتصويت للدستور، ونجح بشكل معقول فيما يتعلق باستحقاق الانتخابات الرئاسية، لكن هل من المتصور أن ينجح هذه المرة، فيدفع المصريين إلى المشاركة بنسب مقبولة فى الانتخابات البرلمانية تقترب من نسبة مشاركتهم فى الاستفتاء على الدستور (39%)، أو نسبة مشاركتهم فى الانتخابات الرئاسية (47%)؟. لا يستطيع أحد أن يخمن كيف ستسير الأمور، لكننى لا أستطيع أن أراهن على أن السياق الذى تجرى فيه انتخابات «النواب» يمكن أن يصب فى اتجاه تحريك مشاعر المصريين عن طريق العواطف، كما حدث فى مرات سابقة، ليشاركوا بشكل ملفت أو معقول أو مقبول.
الانتخابات البرلمانية لها طبيعة خاصة، والانتخابات هذه المرة لها طبيعة أشد خصوصية، فأما الطبيعة الخاصة فترتبط بالمحركات الأساسية المعروفة التى تدفع نسبة لا بأس بها من الناخبين إلى المشاركة، والمتمثلة فى المنح المالية والعطايا العينية. ومؤكد أن المتابع لمسار أداء مرشحى القوائم والمستقلين خلال الأسابيع الماضية قرأ أو سمع عن الرشاوى التى بدأت بالطماطم (المجنونة)، وانتهت بتوزيع اللحوم بأسعار رمزية، أو بالمجان، يضاف إلى ذلك ما هو معتاد من توظيف الشعارات الدينية، واتخاذ الدين وسيلة لتحقيق مآرب سياسية. الأداء قديم ولا شك، لكنه متوازن للغاية مع طبيعة المتنافسين فى مارثون النواب، فأغلبهم من «الوجوه القديمة»، أو «الدقون القديمة» التى تجيد اللعب على أوتار الحاجات الدنيوية والمتاجرات الأخروية. ومع احترامى الكامل لنبل العبارات التى استخدمها الرئيس، حين استحث المواطنين على النزول من أجل دماء الشهداء والمستقبل الواعد للأبناء، وهى أمور يحترمها المواطن المصرى ولا شك، لكنها لا تشكل محركاً للقرار التصويتى للكثيرين.
أما الطبيعة الأشد خصوصية فترتبط بحالة الإرهاق التى أصبح المواطن يعيش فى ظلالها جراء الأزمة الاقتصادية التى تعيشها البلاد، وتظهر انعكاساتها فى صرخات المواطنين من غلاء الأسعار، ومظاهرات العمال والموظفين من أجل الحصول على دخل يمكنهم من مواجهة غول الغلاء، وحيرة الكثيرين حين يفكرون فى تأثير الزيادات المتتالية فى سعر الدولار، والأحاديث المتواترة عن رفع أسعار البنزين والسولار، وغير ذلك من إجراءات، توتر حياتهم وتؤرق معيشتهم. ومن المعلوم أنه إذا حضر الاقتصاد بطلت السياسة، أو كما يقول المثل الشعبى: «وقت البطون تتوه العقول». ومن الصعب أن تطلب من عقل تائه أن يفكر فى تلك الأمور العاطفية النبيلة التى تحدث عنها الرئيس. فى كل الأحوال فإن حجم المشاركة فى الانتخابات البرلمانية سيمنح السلطة مؤشراً عن حجم رضاء الشعب عن الأوضاع، ومستوى قربه أو بعده عن دوائر اليأس، ومن الأهمية بمكان أن تأخذ السلطة هذا المؤشر فى الاعتبار، خلال الأيام المقبلة.