الصباح
وائل لطفى
هكذا صنعت أمريكا داعش
*الغرب اعتقد أن الإرهاب هو القاعدة فقط وشجع كل الجماعات التى تقلد القاعدة
*أمريكا لم تتخذ موقفًا من الدول التى ساندت"القاعدة"لأنها كانت حليفة لها
*داعش ظهرت كرد فعل على طائفية وفساد حكومة المالكى التى دعمتها أمريكا
*الغرب خاض أربع حروب فى أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا لكنه لم ينتصر فى أى منها
*تم إيهام الشعوب بالانتصار على طالبان والجيش العراقى لكن هذا لم يحدث.. والنتيجة ما نراه الآن

هذا الكتاب هو أول كتاب غربى عن داعش، وهو ليس عن البنية التنظيمية لداعش ولا عن فتاواها المثيرة للجدل.. ولكنه تحليل للظروف السياسية التى أدت لصعود داعش، وقد لا تتفاجأ عندما يقول المؤلف إن الولايات المتحدة وحلفاءها فى المنطقة هم المسئولون الأوائل عن ظهور داعش.. أو عن (عودة الجهاديين) كما يسمى المؤلف باتريك كوكبيرن كتابه.. وكوكبيرن صحفى بريطانى عمل مراسلًا لصحيفة (الإندبندنت) البريطانية الشهيرة فى العراق لسنوات طويلة قبل أن يؤلف كتابه (داعش عودة الجهاديين) الذى أصدرته مؤخرًا دار الساقى البيروتية الشهيرة.
ينطلق المؤلف من اللحظة الشهيرة التى صُدم فيها العالم بسقوط مدينة الموصل العراقية فى أيدى قوات داعش بعد تقصير مخل من الجيش العراقى الوطنى والذى يصل تعداده إلى 350.000 ألف جندى أنفق عليه 41.6 مليار دولار فى ثلاث سنوات فقط منذ 2011 وحتى هزيمته أمام داعش فى 2014.. وبحسب رواية المؤلف فقد تلاشت قوة الجيش العراقى أمام داعش وقاد عملية هرب جنوده ضباط عسكريون خلعوا ملابسهم العسكرية واستبدلوها بأخرى مدنية واختفوا وسط الناس.
ونظرًا لأن داعش كانت تملك وقتها 1300 مقاتل فقط هاجمت بهم الموصل فقد كانت هذه إحدى أكبر الهزائم العسكرية فى التاريخ.
وإلى جانب التخاذل من جانب الجيش العراقى والفساد المستشرى فى صفوفه على حد تعبير المؤلف فقد أدت السياسات الطائفية لحكومة نورى المالكى إلى وجود ترحيب سنى صامت بانتصارات داعش وإن كان هناك أمل أن ينفصل حلفاء داعش عنها نتيجة لممارساتها، ففى الموصل كان عناصر داعش يطلبون كتابة أسماء النساء غير المتزوجات ويطلعون على بطاقاتهن الشخصية وعندما سئلوا عن السبب قالوا: إن مقاتليهم غير المتزوجين يريدون الحصول على زوجات!
ولا شك أن هذا أغضب حلفاء داعش من السكان السنة.. الذين اكتشفوا أنهم تسببوا فى انتصار حركة عسكرية دينية تشبه الفاشيين فى إيطاليا وألمانيا، ويتنبأ الكاتب بأن ظهور داعش سيؤدى إلى تقسيم سوريا والعراق لكنه يعتقد أنه لن يمكن أبدًا تقسيمهما بطريقة نظيفة.. وفى أسوأ تقدير سيتم تقسيمهما مثل تقسيم الهند سنة 1947 حينما أنشأت المجازر والخوف من المجازر حدودًا ديمغرافية جديدة فهناك مليون عراقى سنى فى بغداد مثلًا.. لا بد من إخراجهم إذا تم إعلان دولة شيعية فى بغداد.
> > >
تدور فكرة الكتاب الأساسية حول الخطأ الجوهرى الذى وقعت فيه أمريكا وحلفاؤها حيث حاربت تنظيم القاعدة ودعمت كل التنظيمات التى تقلده!
حيث كان ظهور داعش هو تتويج لفشل سياسة الحرب ضد ا لإرهاب والتى بدأتها أمريكا منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر.. وهو ما أدركه أوباما متأخرًا فى 2014 حين قال مخاطبًا مستمعيه «إن التهديد الرئيسى للولايات المتحدة لم يعد يأتى من تنظيم القاعدة المركزى وإنما من المتطرفين وتنظيمات القاعدة غير المركزية الذين يملكون برامج تتركز على البلدان التى يقومون بعملياتهم فيها».
وينتقد المؤلف أيضًا دعم الولايات المتحدة للمعارضة غير الإسلامية فى سوريا حيث طلب أوباما من الكونجرس 500 مليون دولار من أجل تدريب وتجهيز المعارضة السورية على نحو «مناسب ودقيق».
لكن المفاجأة التى يذكرها المؤلف أن أعضاء داعش يستولون على الأسلحة المتطورة التى ترسلها أمريكا للمعارضة السورية العلمانية، حيث يستولون دائمًا على هذه الأسلحة بالتهديد أو بالشراء!
ولعل هذا يؤكد ما يقوله الكثيرون من أن أمريكا تسلح داعش.. حيث هى تسلحها بشكل غير مباشر.
ويؤكد المؤلف أن عناصر داعش فى العراق استعملت الأسلحة المضادة للطائرات فى اصطياد وتهديد الطائرات المدنية.. ولم تكن هذه الأسلحة سوى الأسلحة التى أرسلتها أمريكا للمعارضة السورية لاصطياد طائرات جيش الأسد فى سوريا.. لكنها ظهرت فى العراق.
> > >
يعتبر المؤلف أن أهم أسباب فشل حرب أمريكا ضد الإرهاب يأتى من أنها أعلنت الحرب دون الدخول فى مواجهة مع باكستان ودولة عربية كبرى حليفة للولايات المتحدة.. رغم عدم وجود غموض فى علاقة كل منهما بتنظيم القاعدة.. وهو ما أدى فى النهاية إلى فشل هذه الحرب المزعومة ضد الإرهاب.
يرصد الكتاب الواقع فى سوريا والعراق وكيف استطاع أبوبكر البغدادى خليفة داعش أن يبنى تنظيمًا قويًا وأن يستغل طائفية نورى المالكى.. والثورة السورية معًا وهو يرصد كيف أسست داعش جبهة النصرة فى العراق ثم تمردت الأخيرة عليها وهو ما استدعى حربًا بين التنظيمين فى شرق سوريا.. إلى جانب حروب مع تنظيمات جهادية أخرى مدعومة من قطر والسعودية مثل أحرار الشام.
ويروى المؤلف كيف أفاق الغرب مؤخرًا على قوة وامتداد هذه التنظيمات؛ لأن الغرب اعتبر أن الخطر يأتى فقط من تنظيم القادة المركزى بقيادة بن لادن.. وهو يعتبر أن حصر الإرهاب فى القاعدة فقط هى فكرة ساذجة وأقرب لخداع الذات.. فالإرهابيون كلهم سواء.
ويضرب الكاتب مثلًا بدعم الأمريكيين لمخطط وضعته السعودية لتشكيل (جبهة جنوبية) مقرها الأردن وينطلق منها (لواء اليرموك) وهو معاد لنظام الأسد وللمقاتلين الجهاديين معًا.. وقد تم تسليم هذا اللواء أسلحة مضادة للطائرات.. لكن فيديوهات موثقة أظهرت أنه كان يحارب إلى جانب جبهة النصرة وقد وصلت هذه الأسلحة فى نهاية الأمر لتنظيم داعش.
ويؤكد المؤلف أن الغرب مارس نوعًا من التعامى عما حدث فى ليبيا عام 2011 حيث كان من يقاتلون ضد القذافى هم أعضاء تنظيم القاعدة أو مقلدو تنظيم القاعدة.. لكن الغرب تظاهر بأنه لا يعرف.. رغم أن القاعدة هى فكرة أكثر منها تنظيمًا.. ولكن كانت من مصلحة الولايات المتحدة أن يعتقد الناس أن القاعدة جماعة منظمة مثل المافيا؛ لأن هذا يعطى أملًا بإمكانية تعقبها والقضاء عليها.. فى حين أن الواقع ليس كذلك.
يرى المؤلف أن (الحرب ضد الإرهاب) فشلت لأنها لم تستهدف الحركة الجهادية ككل واكتفت بهؤلاء الذين يرفعون راية بن لادن فقط.. والأهم أن الغرب لم يتخذ موقفًا من الدول التى ترعى (الجهاد) كعقيدة وحركة.. خاصة إذا كانت هذه الدول حليفة للولايات المتحدة.
ويرصد المؤلف كيف أنفقت الولايات المتحدة المليارات وانتهكت القوانين من أجل القضاء على القاعدة عام 2001 وكيف مر الوقت لتفيق فى 2014 على أن الجماعات المماثلة للقاعدة أصبحت عديدة وقوية وبشكل واضح فإن (الحرب على الإرهاب) التى شنتها أمريكا من 2001 قد فشلت بشكل كبير.. ولعل هذه هى الحقيقة التى تجاهلها الجميع حتى سقطت الموصل.
> > >
وإلى جانب فشل الأمريكيين فى الحرب على الإرهاب يرصد المؤلف الأسباب الأخرى لظهور داعش وهو يعتبر أنها تعبير عما أسماه (انبعاث السنة فى العراق) حيث كانت هذه الحركة الإرهابية فى أحد أوجهها تعبيرًا عن ضيق السنة (خُمس سكان العراق البالغين 33 مليونًا) من السياسات الطائفية التى اتبعتها ضدهم حكومة نورى المالكى لكن الأهم أنها كانت تعبيرًا عن الضيق بالفساد الذى سيطر على الدولة العراقية.. حيث استطاعت داعش قبل سقوط الموصل بستة أشهر أن تسقط مدينة الفلوجة التى تبعد 40 ميلًا عن بغداد ورغم أن داعش استولت على الفلوجة بــ 350 مقاتلًا فقط.. إلا أن الحكومة العراقية لم تستطع أن تستعيد المدينة وأذاعت فيديو لطائرات أمريكية تطارد مقاتلين فى أفغانستان على أنه تصوير لجهودها فى مطاردة مقاتلى داعش.. وقد حدث هذا رغم أن قوات الأمن العراقية مكونة من مليون شخص.. ولكن الفساد قد نخر الجيش على كل الصُّعُد (وفقًا لتعبير المؤلف).. وقد أعطى هذا الفساد شرعية لظهور داعش.. على الأقل فى البداية.
> > >
أما فى سوريا فيرصد الكتاب كيف استولى من يسميهم بــ(الجهاديين) الثورة السورية.. فهى بدأت على يدى عناصر ديمقراطية علمانية.. ويروى المؤلف قصة الناشطة السورية رزان زيتونة وهى محامية تدافع عن حقوق الإنسان.. وكيف أنها كانت من عناصر الثورة المدنية فى سوريا لكنها اختفت مع ثلاثة من زملائها ولم يكن اختفاؤها الأبدى سوى على يد جماعة (جيش الإسلام) وهى جماعة جهادية تسيطر على المنطقة التى يقع فيها مكتبها.. وبحسب شهادة زوجها فإن (رزان وسميرة كانتا جزءا من حركة وطنية علمانية شاملة وهذا أدى بهما إلى التصادم مع الفصائل الإسلامية التى تميل إلى الطغيان).
وبحسب المؤلف «فإن الثورات تشتهر بالقضاء على مناصريها الأوائل الأكثر إنسانية».
وقد حدث هذا مع الثورة السورية التى فشلت واستولى عليها (الجهاديون) وتحول الوضع لحرب أهلية مروعة.
ويقول المؤلف (إن الثورة السورية فى البداية كانت لها أسباب منطقية وبحسب تقرير لمجموعة الأزمات الدولية فقد كان نظام الأسد يهتم عند استلامه السلطة بالمناطق الريفية المهملة والفلاحين، والطبقة المحرومة والمستغلة، أما اليوم فقد نسيت النخبة الحاكمة جذورها).
أما فى 2014 فقد تغيرت النظرة الدولية لما يحدث فى سوريا ووصفت مجموعة الأزمات الدولية ما يحدث بأنه (عملية تسلل إسلامية إلى الثورة وفى البداية رحب السكان بــ«الجهاديين» بعد أعمال النهب واللصوصية التى قام بها الجيش السورى الحر فى المناطق التى سيطر عليها).
لا ينسى المؤلف أن يقول إن السورى الحر هذا كان مدعومًا من الغرب.. وكأن الغرب كان وراء كل تقدم يحرزه الإرهابيون.
ويستعرض الكتاب مقابلة أذاعتها داعش لــ «صدام الحمل» وهو قائد سابق ترك الجيش الحر وانضم لداعش، حيث اعترف بتمويل الأنظمة الخليجية للجيش الحر.
ويستعرض المؤلف الأخطاء التى ارتكبها الغرب فى سوريا والتى أدت أيضًا إلى مزيد ممن الانتعاش لتنظيم داعش وغيره من الجماعات.
> > >
العنف يجذب جمهورًا أكبر
يتعقب المؤلف الحروب الأربعة التى شنها الغرب فى أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا حيث تم تصوير التدخلات بأنها إنسانية تهدف لدعم الشعوب ضد الحكام الظلمة.. وإلى جانب هذا فقد كانت هذه الحروب حروبًا دعائية لعبت فيها وسائل الإعلام دورًا رئيسيًا وكان هناك فرق بين ما يقال للناس وما حدث فعلًا.. فالغرب لم ينتصر بشكل حاسم فى هذه الحروب ففى 2001 تم القول بأن طالبان قد انتهت للأبد.. ولكن الطالبان عادوا فى 2006 لأنهم لم يكونوا هزموا كليًا.
وفى 2003 اعتقد الغرب أنه تم سحق قوات صدام حسين فى حين أن الجنود كانوا قد سرحوا وعادوا لمنازلهم وحارب كثير من الضباط فيما بعد تحت راية داعش، أما فى ليبيا فقد صور الإعلام الغربى «الثوار» الذين يطلقون النار من مدافع رشاشة مثبتة على شاحنات على أنهم هم الذين أسقطوا القذافى فى حين أنهم لعبوا دورًا محدودًا للغاية فى هذا، وكان الفضل كله لقوات «الناتو».
أما فى سوريا وخلال عامى 2011 و2012 كان القادة الأجانب والصحفيون يتحدثون دائمًا عن هزيمة وشيكة لنظام الأسد.. وهو ما اتضح أنه غير صحيح.
ولعل هذا ما يدفع المؤلف إلى السخرية من الكيفية التى يصور بها مراسلو الحرب الأمور ويضرب أمثلة كثيرة مضحكة على المراسلين الذين ينهمكون فى تصوير صراع الخير والشر فى حين أن الأمور ليست كذلك.
وأخيرًا فهذا الكتاب شهادة مهمة عن «خيبة» الغرب فى التعامل مع الإرهاب، وكيف أن هذه الخيبة كانت السبب فى عودة (الجهاديين) الذين أسميهم الإرهابيين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف