عبد القادر شهيب
أفزعنا الناخبين .. ونطالبهم بالمشاركة !
ومن الخطأ أيضا اعتبار التصويت في الانتخابات البرلمانية - كما ذهب البعض - هو تصويت علي الرئيس وسياساته وليس اختيار النواب والأعضاء الذين سيضمهم البرلمان الجديد
لو كانت الانتخابات البرلمانية جرت قبل عام مضي لكانت نسبة مشاركة الناخبين فيها أكبر بكثير منها الآن، مع التحفظ علي تسرع البعض في الحديث مبكرا منذ صباح اليوم الأول من الانتخابات عن ضعف اقبال الناخبين.
فإن طول الانتظار لهذه الانتخابات أصاب قطاعات من الناخبين بحالة من فتور الحماس الذي كان موجودا من قبل، خاصة وأنه طوال هذا العام من الانتظار للانتخابات البرلمانية تعرض الناخبون لحملات إعلامية وسياسية من قبل البعض، إما تقلل من شأن هذا البرلمان الجديد الذي ستتمخض عنه هذه الانتخابات بوصفه سيكون خليطا من أعضاء سابقين في الحزب الوطني المنحل وممثلين لتيار الإسلام السياسي، وتتحدث عن عدم ضرورته حاليا حتي لا يؤثر علي حالة الاستقرار التي بدأت البلاد تستعيدها، وإما تحذر من خطورة البرلمان خشية أن يعطل ويعرقل خطي الرئيس للنهوض بالبلاد واخراجها من عثراتها الاقتصادية تحديدا.
لذلك من الخطأ أن نفسر - كما ذهب البعض - عدم اقبال الناخبين كما كنا نأمل علي هذه الانتخابات البرلمانية من نجاح لدعوات مقاطقة الانتخابات التي تبنتها أحزاب وفئات سياسية، لأن هذه الأحزاب والفئات لا وزن جماهيري كبير يذكر لها، بل أنها أختبرت في الانتخابات الرئاسية وجاءت نتيجة الاختبار مؤسفة لها وكاشفة لضعفها.. دعوات المقاطعة في أفضل الأحوال لأصحابها لم تؤثر إلا في الآلاف فقط،أما ملايين الناخبين فإن دعوات المقاطعة للانتخابات التي تبناها البعض لا تؤثر فيهم، وإنما تؤثر فيهم عوامل أخري هي التي تحثهم علي الذهاب إلي صناديق الانتخابات أو تحضهم علي عدم الذهاب، وعلي رأس هذه العوامل الحماس لما يفعلون.. ولعلنا أدركنا وشاهدنا ذلك بوضوح في الاستفتاء علي دستور ٢٠١٤، الذي ذهب كثير من الناخبين للتصويت عليه ولا يعرفون ما به من مواد وما تعنيه هذه المواد، وإنما كان حماسهم كبيرا في إنجاز أول استحقاق في خارطة المستقبل حتي تمضي البلاد في طريقها وتنتهي المرحلة الانتقالية ونستعيد الأمن المفقود وننتصر علي أهل الشر الذين يمارسون العنف والارهاب.
ومن الخطأ أيضا اعتبار التصويت في الانتخابات البرلمانية - كما ذهب البعض - هو تصويت علي الرئيس وسياساته وليس اختيار النواب والأعضاء الذين سيضمهم البرلمان الجديد.. نعم هناك بعض القلق والضيق من تأخر التخلص من مشاكلنا الأساسية وفي مقدمتها المشاكل الاقتصادية التي زادت حدتها ، وهناك قدر من عدم الراحة لعدم التوفيق في اختيار بعض المسئولين في عدد من المواقع الوزارية وغيرها، إلا أننا ازاء انتخابات برلمانية وليست رئاسية، مشاركة الناخبين في هذه الانتخابات البرلمانية تحكمه اعتبارات مختلفة تماما من بينها سهولة أو صعوبة النظام الانتخابي ونوعية المرشحين في الدوائر المختلفة، ومدي معرفة الناخبين بهم وتوزيع الدوائر وتقسيمها، وقبل ذلك كله إدراك الناخبين لأهمية وضرورة وجود البرلمان الذي سوف تتمخض عنه هذه الانتخابات.
وهذا تحديدا ما نراه أهم وأبرز عامل كان له تأثيره في اقبال الناخبين علي صناديق الانتخابات، مع ـ بالطبع ـ عدم اغفال دور وتأثير أية عوامل أخري.. فلقد انهمك قطاع من الاعلام علي مدي عام كامل في الحديث بشكل سلبي غير مشجع للناخبين عن البرلمان القادم.. بل ان هناك من جاهر صراحة بالمطالبة بتأجيل الانتخابات البرلمانية عاما آخر أو عامين حتي يتفرغ الرئيس في إنجاز وتنفيذ برنامجه الانتخابي الطموح بدون أية محاولات لتعطيله أو الدخول في صراعات معه أو منعه من اختيار حكومة تشاركه السلطة التنفيذية.
لقد فتر حماس الناس الذي كان متوهجا قبل عامين مضيا دون أن نستثمر هذا الحماس في إنجاز الاستحقاق الثالث والأخير في خارطة المستقبل وهو اختيار نواب البرلمان الجديد، لأننا تلكأنا طويلا في صياغة قوانين الانتخابات وتقسيم الدوائر.. وزاد من فتور هذا الحماس لدي الناخبين تأجيل الانتخابات البرلمانية بعد ان دارت عجلاتها قبل عدة شهور مضت.. وزاد أيضا من فتور هذا الحماس أن البعض أشاع بأن الرئيس غير متحمس بدوره للتعجيل بانتخابات البرلمان الجديد.
نحن إذن.. نجني ما صنعته أيدينا.. نقول ذلك دون استباق أية نتائج للانتخابات البرلمانية.. أما استعادة حماس الناس بخصوص البرلمان فانه يحتاج إعلاما مختلفا وإعلاميين مختلفين وأيضا سياسة مختلفة وسياسيين مختلفين - إعلاميون وسياسيون يصنعون الأمل ولا يبثون اليأس في الصدور!