الصباح
خالد عكاشة
مكاسب مصر من قمة «السيسى وبوتين » فى «القاهرة »
*إتمام صفقة أسلحة روسية بقيمة 3.5 مليار دولار تشمل توريد مروحيات وطائرات وأنظمة دفاع جوى
*الاتفاق على إجراء مناورات عسكرية للجيش المصرى والروسى فى البحر المتوسط للتدريب على مكافحة الإرهاب
*التوقيع على مذكرة تفاهم لإنشاء محطة طاقة نووية لتوليد الكهرباء فى منطقة الضبعة

تسعى الدولة المصرية فى ظل قيادتها الجديدة الرئيس عبدالفتاح السيسى، إلى العودة إلى دورها الرئيسى فى منطقة الشرق الأوسط والعالم، فى العديد من القضايا الملحة والشائكة من خلال ظهور توجهات جديدة فى السياسة الخارجية، تتجه من خلالها مصر الرسمية إلى تنويع علاقاتها الخارجية مع قوى دولية مختلفة وأبرزها روسيا، من أجل تعظيم الاستفادة من العلاقات الثنائية المشتركة مع المحطات الأقوى تأثيرًا بحثًا عن تحقيق المصالح المصرية، لذلك بينما تخطو مصر فى مسيرة بنائها لتحالفات دولية تتلاقى مساعيها مع الجهود الروسية التى تركز فيها هى الأخرى على بناء تحالفات جديدة، باستعادة روابط وصداقات قديمة وتحديدًا مع مصر الدولة العربية الكبرى، ذات التأثير الفعال بمنطقة الشرق الأوسط وبوابة دول العالم للمنطقة العربية وإفريقيا، فى هذا التحرك الجديد تحديدًا تراهن موسكو على الاستفادة من رصيد طويل من العلاقات المصرية الروسية والمحطات التاريخية والمشروعات المشتركة التى امتدت على مدى أكثر من 70 عامًا.
بدأت العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتى ومصر فى 26 أغسطس 1943م، وشهدت العلاقات بين البلدين تغيرات جدية كما تغيرت أولوياتها على الصعيدين الخارجى والداخلى، فقد تمت الخطوة الأولى للتعاون المصرى الروسى فى أغسطس عام 1948م حين وقعت أول اتفاقية اقتصادية حول مقايضة القطن المصرى بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفيتى، وشهدت العلاقة بعدها تطورات متلاحقة كان أبرزها بعد ثورة يوليو عام 1952م، حين قدم الاتحاد السوفيتى لمصر المساعدة فى تحديث قواتها المسلحة وتشييد السد العالى، وبلغت العلاقات الثنائية ذروتها فى فترة الخمسينيات - الستينيات من القرن الماضى، حين ساعد الخبراء السوفييت مصر فى إنشاء المؤسسات الإنتاجية، جاء أهمها السد العالى فى أسوان ومصنع الحديد والصلب فى حلوان ومجمع الألومنيوم بنجع حمادى، ومد الخطوط الكهربائية فيما عرف بالجهد العالى وكهربة الريف من أسوان إلى الإسكندرية، وهى مشاريع قومية عملاقة نقلت مصر وقتها خطوات فى طريق الحداثة والتنمية.
فى الحقبة الراهنة كانت مصر فى طليعة الدول التى أقامت علاقات دبلوماسية مع روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتى ‏عام 1991م، وتسعى مصر لتعزيز وتقوية علاقتها مع روسيا فى الوقت الحالى نظرًا لضعف اهتمام الرئيس الأسبق مبارك بأى جهود لتعميق تلك العلاقات، حيث جاءت أول زيارة رسمية للرئيس الأسبق حسنى مبارك إلى روسيا الاتحادية فى سبتمبر 1997م، وقام مبارك بزيارتين فى عامى 2001 و2006م إلى روسيا أعدت خلالهما البرامج الطويلة الأمد للتعاون فى المجالات كافة لإرساء مبادئ علاقات الصداقة والتعاون بين الجانبين، لكن الأمر بقى على أرض الواقع حبرًا على ورق لم يفعل منه شىء حقيقى ملموس، وفى أبريل 2005م قام الرئيس فلاديمير بوتين بزيارة مصر، وصدر فى ختام المباحثات الثنائية مرة أخرى بيان مشترك حول تعميق علاقات الصداقة والشراكة، بين روسيا الاتحادية ومصر والذى أكد على طبيعتها الاستراتيجية لكن المشهد ظل كما هو لم يتحرك خطوة حقيقية إلى الأمام.
لتجىء زيارة وزير الخارجية الأسبق نبيل فهمى إلى روسيا سبتمبر 2013م لتمثل بداية فتح صفحة جديدة مع روسيا، يتم فيها تعزيز وتقوية العلاقات بين القاهرة وموسكو، وفيها بحث تشكيل تحالف مشترك ضد الأخطار التى تواجه منطقة الشرق الأوسط، وتدعم ذلك فى فبراير 2014م عندما قام وزيرا الدفاع والخارجية المصريان بزيارة لروسيا، وفيها أعلن المشير عبدالفتاح السيسى نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع والإنتاج الحربى والقائد العام للقوات المسلحة «آنذاك» أن زيارته لموسكو بمنزلة انطلاقة جديدة للتعاون العسكرى بين مصر وروسيا بما يصب فى منفعة الدولتين، وفى أغسطس الماضى قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بزيارة لروسيا عقد خلالها مباحثات ثنائية مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين استهدفت تفعيل حقيقى للعلاقات الثنائية بين البلدين فى شتى المجالات.
اللافت للانتباه فى الوقت الحالى أن الاستثمارات البينية بين مصر وروسيا تتسم بالضعف، إذ تكشف الأرقام أن حجم الاستثمارات الروسية فى مصر قد بلغ نحو 660 مليون دولار فقط بنهاية يناير 2013م، حيث وصل إجمالى عدد الشركات الروسية العاملة فى السوق المصرى إلى 383 شركة تعمل بشكل أساسى فى القطاع الخدمى كالسياحة والإنشاءات والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتمويل، إضافة إلى القطاعين الصناعى والزراعى، لتحتل روسيا المرتبة 46 من حيث الدول المستثمرة فى مصر، فى المقابل بلغ حجم الاستثمارات المصرية فى السوق الروسى حوالى 7 ملايين دولار حتى نهاية 2012م، وتتركز الاستثمارات فى قطاع الأخشاب التى يتم تصديرها لمصر، بالإضافة إلى بعض الاستثمارات العقارية، فمن ناحية تمثل السوق الروسية الواسعة فرصة كبيرة لزيادة الصادرات المصرية وتحسين وضع الميزان التجارى، وليس أدل على ذلك من الزيادة الكبيرة التى حدثت لصادرات البطاطس المصرية لروسيا، والتى زادت كمياتها بنسبة تفوق 250 فى المائة فمن 65 ألف طن عام 2007م إلى 237 ألف طن عام 2011م، كما تعتبر منتجات الأثاث، والأسمدة، وزيت الزيتون، والأجهزة المنزلية والأحذية والحقائب، والخضراوات والفاكهة، والرخام والسجاد والسيراميك، وورق الطباعة وغيرها من المنتجات ذات الفرص التصديرية المرتفعة، حيث تستطيع السوق الروسية استيعاب كميات متزايدة من الصادرات المصرية التى يماثل الكثير منها بنود واشتراطات الاستيراد الروسى.
من المعروف أن روسيا هى أكبر مصدر للسياحة إلى مصر، حيث وصل العدد إلى ما يقرب من 3 ملايين سائح روسى فى يناير 2011م من إجمالى 14.5 مليون سائح، أى ما يمثل نحو خمس أعداد السائحين الوافدين إلى مصر، ونتيجة التطورات السياسية خلال السنوات الأربع الأخيرة انخفض عدد السياح الروس فى مصر بصورة كبيرة، لذا اتخذت الجهات المسئولة بمصر عددًا من الإجراءات منها قيام وزارة الخارجية بتنشيط الترويج السياحى لمصر فى الخارج، حيث شارك الدكتور محمد البدرى سفير مصر فى موسكو فى الاجتماع المشترك للوكالة الروسية الفيدرالية للسياحة ووزارة الثقافة، والذى ترأسه وزير الثقافة الروسى بحضور رئيس الوكالة الفيدرالية للسياحة، وبمشاركة العديد من منظمى الرحلات السياحية فى سبتمبر 2014م، لمناقشة مشاكل السوق الروسى فى السياحة الروسية للخارج، خاصة فى ضوء عدد من المشاكل التى بدأت تؤثر على السياحة الخارجية الروسية، ونتيجة استقرار الأوضاع الأمنية فى مصر كشفت رابطة وكلاء السياحة الروسية، أن مصر تظل الأكثر جاذبية للسياح الروس نظرًا للخدمات السياحية المتميزة التى تقدمها مصر للسائحين الروس والتى انعكست فى تزايد الحركة السياحية الروسية إلى مصر.
لكن يظل حجم التبادل التجارى بين الدولتين يغلب عليه عدد محدود من السلع، ممثلًا فى بعض الصادرات المصرية من الفواكة والحمضيات التى يمثل البرتقال العنصر الرئيسى فيها، فضلًا عن كميات محدودة من البصل والبطاطس، ليصل إجمالى قيمة ما تصدره مصر نحو 250 إلى 300 مليون دولار سنويًا، فى حين تتخطى قيمة الصادرات الروسية لمصر مليارى دولار، وقد تصل أحيانًا إلى 3 مليارات، نظرًا لما تستورده مصر من القمح الروسى، الذى يشكل بندًا رئيسيًا فى قيمة الواردات المصرية ويدفع بشدة الميزان التجارى لمصلحة روسيا.
لذلك يعد توطين تكنولوجيا الصناعات الهندسية والإلكترونية الروسية وغيرها من التكنولوجيات المتقدمة فى مصر، أحد أبرز وأهم الملامح فى العلاقة بين البلدين، ويأتى قرار تخصيص منطقة صناعية للجانب الروسى فى برج العرب عام 2007م كانطلاقة مهمة لذلك، إلا أن الجانب الروسى لم يتقدم حتى الآن بمشروعات لإدخالها فى هذه المنطقة الصناعية، وقد أكد الجانب المصرى على استعداده لتخصيص قطعة أرض أخرى بنظام «المطور الصناعى» فى برج العرب أو العاشر من رمضان، إلا أنه لم يتم تفعيل هذا الموضوع حتى الآن.
وأخيرًا هناك فرص سانحة أمام شركات التعدين الروسية للاستثمار فى المشروع التعدينى الضخم فى جنوب شرق مصر على ساحل البحر الأحمر والذى يعرف بـ«المثلث الذهبى»، فضلا عن إمكانية تكثيف الاستثمارات الروسية فى قطاع الطاقة ولا سيما بناء محطات توليد الكهرباء، وهى فرص كفيلة بتطوير العلاقات الاقتصادية بين مصر وروسيا خلال المرحلة القادمة، كما أبدت روسيا فى زيارة بوتين الأخيرة استعدادها لصيانة المصانع المصرية التى سبق أن ساهم الروس فى إنشائها فى مصر، وبحث تمويل خطى المترو الجديدين، ومناقشة إنشاء صوامع روسية لتخزين القمح فى مصر.
ساند الاتحاد السوفيتى مصر عسكريا فى فترات تاريخية مهمة، فقد كان للاتحاد السوفيتى الدور الأبرز والأهم فى إعادة بناء القوات المسلحة المصرية وتسليحها بعد نكسة 1967م، وما حصلت عليه مصر من عتاد عسكرى مكن الجيش المصرى من خوض حرب الاستنزاف وحرب 1973م تحريرا للتراب الوطنى، ولم يتوقف التعاون العسكرى بين البلدين منذ ثلاثين عامًا، خاصة مع استمرار وجود 30 فى المائة من الأسلحة الروسية لا تزال فى الخدمة فى القوات المسلحة المصرية، وفى أعقاب ثورة 30 يونيو توطدت العلاقات مع روسيا، مما يعكس دلالة واضحة أن القرار المصرى لا يزال قادرًا على تحقيق المصلحة المصرية بالدرجة الأولى، وهو قرار وطنى خالص لذلك حظى بدعم وتشجيع الشعب المصرى.
لذلك كان من بين القضايا الرئيسية على جدول الأعمال الثنائى للرئيسين عبدالفتاح السيسى وفلاديمير بوتين بالقاهرة يأتى التعاون العسكرى - التقنى، ففى العام الماضى أفيد بأن موسكو والقاهرة وقعا عقودًا لشراء الأسلحة الروسية بقيمة 3.5 مليار دولار، شمل ذلك توريد مروحيات وطائرات وأنظمة الدفاع الجوى، وعلى حد قول محمد البدرى سفير مصر بروسيا التعاون العسكرى بين موسكو والقاهرة لا يقتصر على الاتجار بالأسلحة، ولكن يشمل أيضًا التدريب وتبادل المعلومات، وتوريد الأسلحة يحدث تدريجيًا دون تأخير ودون فرض أى شروط ذات طابع سياسى، كما أشارت صحف روسية أثناء زيارة بوتين الأخيرة إلى توقعات بإجراء مناورات عسكرية للجيش المصرى والروسى فى البحر المتوسط للتدريب على مكافحة الإرهاب هذا العام.
فى الجانب السياسى شهدت المباحثات المصرية الروسية استعراضًا لمجمل الأوضاع الإقليمية فى منطقة الشرق الأوسط، وفى مقدمتها الأوضاع فى قطاع غزة، فضلا عن ليبيا وذلك اتصالا بالتداعيات السلبية لتردى الأوضاع السياسية والأمنية على الحدود الغربية المصرية، إلى جانب الأوضاع فى العراق وضرورة الحفاظ على وحدته الإقليمية، وكذا الأزمة السورية وأهمية التوصل إلى تسوية تحفظ وحدتها الإقليمية وتصون أرواح مواطنيها، كما بحث الجانبان مكافحة الإرهاب حيث توافقت الرؤى حول أهمية تضافر الجهود، وتكثيف التعاون فى كافة المجالات ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، واتفق الجانبان حول أهمية قيام المجتمع الدولى بجهد جماعى لدحر الإرهاب والقضاء عليه.
حيث بدا إنه فى ظل التوتر على الصعيد الدولى والأزمة الاقتصادية العالمية وفرض العقوبات الظالمة من الغرب على روسيا، تعمل موسكو على تعزيز العلاقات السياسية والتجارية الدولية مع الشركاء، مؤكدة أن «مصر الصديقة» تعد من أبرز هذه الدول التى تسعى موسكو لتعزيز التعاون المشترك معها، لما يتمتع به البلدان بتاريخ طويل من العلاقات فى جميع المجالات، فإن هذا الرصيد التاريخى سيدفع هذه العلاقات الجديدة ويعمل على تنميتها وتوحيدها، ولا شك أن زيارة الرئيس بوتين إلى مصر ستبنى على أرضية الزيارة التى قام بها الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى إلى روسيا فى أغسطس من العام الماضى، فالسنوات الأخيرة فى مصر كما هو الحال فى روسيا، كانت هناك تغييرات اجتماعية وسياسية جادة، وستلعب أجواء الثقة والاحترام المتبادل دورًا حاسمًا فى العلاقات بين القاهرة وموسكو لتجعل البلدين ينسقان كشريكين على المستوى الثنائى وعلى الساحة الدولية.
نقل موقع «ريا سفيجى فيتر» الروسى، عن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قوله إن روسيا ومصر قاما باستعادة العلاقات النشطة بينهما التى تضررت سابقًا بسبب تغييرات السلطة، مضيفًا أن البلدين استعادا علاقتهما فى مجملها، جنبًا إلى جنب مع تكثيف الاتصالات السياسية وتطوير العلاقات الاقتصادية فى ظل تعقيدات الاقتصاد العالمى، وتوقعت وسائل الإعلام الروسية أن تقدم روسيا نطاقًا ضخمًا للاستثمار فى الاقتصاد المصرى، وهذا الاتجاه سيكون له فى المستقبل القريب أولوية مطلقة فى تنمية العلاقات الثنائية بين البلدين، فالقيادة المصرية لا تسعى إلى خلق بيئة جيدة للاستثمار الأجنبى فحسب، بل هناك رغبة خاصة وحقيقية أيضًا لخلق علاقة عمل جيدة وقريبة مع روسيا، وعدد الإعلام الروسى جوانب التطور التى شهدتها علاقات الدولتين مبرزة أن التبادل التجارى بين البلدين قفز فى الفترة من يناير نوفمبر لعام 2014م بصورة ملحوظة، ليصل إلى 4.6 مليار دولار أمريكى بزيادة نسبتها 80 فى المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2013م.
وتبقى فى النهاية ضربة الزيارة الأقوى والأبرز، حيث شهد الرئيسان المصرى عبدالفتاح السيسى والروسى فلاديمير بوتين، التوقيع على مذكرة تفاهم بين البلدين لإنشاء محطة طاقة نووية لتوليد الكهرباء فى منطقة الضبعة، على الساحل الشمالى لمصر، فقد قام وزير الكهرباء المصرى ومدير هيئة الطاقة الذرية فى روسيا «روس آتوم»، بالتوقيع على اتفاق مبدئى لإنشاء محطة طاقة نووية لتوليد الكهرباء، ليعلن الرئيس الروسى أنه بإمكان روسيا ليس فقط بناء محطة طاقة نووية لمصر، وإنما تدشين قطاع نووى متكامل، حيث ذكر بوتين عقب مباحثاته مع نظيره المصرى عبدالفتاح السيسى ما نصه: «ناقشنا اليوم إمكانية التعاون فى مجال الطاقة النووية، وفى هذه الحالة فى حال تم اتخاذ قرارات نهائية، فإن الحديث لا يدور عن مجرد بناء محطة طاقة نووية إنما عن بناء قطاع نووى كامل فى مصر، بما فى ذلك بناء محطة طاقة نووية وتدريب الكوادر وتطوير العلوم، إنها حزمة كاملة من التدابير الهادفة نحو إنشاء قطاع جديد فائق التقنية فى مصر».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف