لم يكن من السهل على المتابعين للسياسة الدولية، واختلال الموازين والمعايير فيها، وخصوصًا بعد تفتت الاتحاد السوفيتى إثر الحرب السوفيتية الأفغانية، التى كان الأمريكان أكبر المستفدين منها حتى اليوم، لم يكن من السهل تجاهل زيارة الرئيس بوتين لمصر إذ إنها - بلا شك - زيارة تاريخية، لأنها تؤكد أن مصر تستطيع أن تكون لها برامجها وصداقاتها واتفاقياتها وتعاونها، مع من تريد من الدول، مهما كانت توجهاتها الفكرية، ودون أن تفقد مصر بذلك حيدتها، وعلاقتها بالدول الأخرى، والأهم من ذلك أن الزيارة دليل على أن مصر تختار لنفسها، ولا تقع - مثل بعض الدول الأخرى - فى قبضة الولايات المتحدة الأمريكية خصوصًا، ولا تقع أسيرة الهيمنة الغربية عمومًا، وتدل الزيارة على أن مرحلة جديدة من الصداقة الاستراتيجية بين البلدين قد بدأت أو تجددت.
تذكرنا هذه الزيارة بزيارة الرئيس السوفيتى نيكيتا خروشتشوف لمصر فى عهد الرئيس ناصر، وما صاحبها من اتفاقيات لاستكمال بناء السد العالى كمشروع استراتيجى، وخروج مصر من قبضة الهيمنة الغربية وأدواتها.
لعبت الكتلة الشرقية عمومًا بقيادة الاتحاد السوفيتى، وخصوصًا حلف وارسو، وبعد الحرب العالمية الثانية، دورًا مهمًا للغاية فى إحداث التوازن العالمى أو الحفاظ عليه، رغم سنوات الحرب الباردة، ورغم أخطاء الاتحاد السوفيتى الكارثية فى تقييد الحريات العامة، وسوء تطبيق المبادئ الاشتراكية، وعزل الشعوب الخاضعة له بعد احتلال أراضيها، عن بقية دول العالم، وما يحدث فيه من تغيرات حاكمة، سنوات عديدة.
خسر العالم كله كثيرًا، بفقدان التوازن العالمى، وأصبح الفيتو الأمريكى، أقوى وأنفذ، وأصبحت السيطرة الأمريكية على أدوات النظام العالمى الجديدة، للأسف الشديد، أفعل سلبًا وأظلم، أعتقد أن الزيارة كانت مهمة جدًا وقد أجمل الرئيس السيسى أهميتها فى نقاط عشر:
الأولى: ضرورة دفع علاقات التعاون الاقتصادى والتجارى بين البلدين، حيث اتفق الرئيسان على تيسير حركة التبادل التجارى، وإزالة المعوقات أمامها، وعلى التعاون فى مجال تخزين الحبوب.
ثانيًا: تيسير جهود إقامة منطقة التجارة الحرة بين مصر والاتحاد الجمركى الأوراسى.
ثالثًا: تعزيز التعاون فى مجال الطاقة بمختلف أنواعها، بما فى ذلك التعاون فى مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، بدءًا بمذكرة التفاهم من أجل إقامة محطة للطاقة النووية فى الضبعة لتوليد الطاقة الكهربائية.
رابعًا: دعم وتنمية الاقتصاد المصرى فى المؤتمر الاقتصادى المزمع عقده فى شرم الشيخ فى مارس 2015، بوجود مشاركة روسية فاعلة فيه.
خامسًا: دفع العلاقات الاستثمارية بين البلدين، والبدء فى إقامة المنطقة الصناعية الروسية، فى منطقة شمال «عتاقة» على محور قناة السويس.
سادسًا: التعاون الثنائى ضمن التعاون الدولى لمواجهة تحدى الإرهاب، مما يحتم تضافر الجهود الدولية لمواجهته، والتعامل معه من خلال منهج شامل، لا يقتصر فقط على التصدى الأمنى، وإنما يتضمن محاربة أسس الإرهاب الفكرية التى توفر بيئة حاضنة، تخرج من كنفها التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن معالجة الأوضاع الاجتماعية التى تسهم فى نمو الإرهاب والتطرف المرتبط به.
سابعًا: التعاون فى حل القضايا الإقليمية وفى مقدمتها، جهود إحياء المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين سعيا إلى تنفيذ حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
ثامنًا: ضرورة الحفاظ على سيادة ليبيا ووحدة أراضيها، فضلاً عن ضمان وحدة العراق، وتحقيق الوفاق بين مختلف مكوناته الوطنية، ودعم جهود مكافحة خطر الإرهاب الذى يهدده.
تاسعًا: تنسيق الجهود القائمة بين البلدين لتوفير البيئة المناسبة للأطراف السورية للالتقاء فى إطار تشاورى، بهدف الخروج بتفاهمات تؤسس لحل سياسى يستند إلى مرجعيات جنيف، والسعى لتسوية عاجلة للأزمة فى اليمن، وعدم السماح بتهديد وحدة وسلامة أراضى اليمن، وأمن واستقرار المنطقة.
عاشرًا: السعى إلى تطوير نظام دولى يكون أكثر ديمقراطية وعدلاً وأمنًا وإقامة نظام اقتصادى دولى أكثر عدلاً وإنصافًا للجميع.
أرى أن الدعاء واجب لتطوير العلاقات الثنائية والدولية بين الجميع ليعيش العالم كله فى أمن وسلام، زيارة قصيرة ونتائجها كبيرة.. والله الموفق.