سليمان جودة
سامح شكرى.. انسحاب يحمل «رسالة»!
أعجبنى أن ينسحب الوزير سامح شكرى، من إحدى جلسات مؤتمر الأمن، الذى كان قد انعقد فى مدينة ميونيخ، الجمعة قبل الماضية، بحضور 20 رئيس دولة، و60 وزير خارجية، على مدى ثلاثة أيام، ومن كل أرجاء العالم.
ثم أعجبنى أكثر، أن يكون انسحاب وزير خارجيتنا، موضع اهتمام وسائل الإعلام، لعل الذين تابعوا هذه الوسائل، يعرفون أن انسحاب الرجل، لم يكن استعراضًا سياسيًا منه، أمام الكاميرات الحاضرة، وإنما لأنه أراد أن يسجل موقفًا لبلده الذى راح هو يمثله هناك.
لقد قيل إن الانسحاب من جانبه، ثم، فى اللحظة التى صعد فيها خالد العطية، وزير خارجية قطر إلى المنصة، ليلقى كلمته، كما أن وزير الاستخبارات الإسرائيلى، كان موجودًا فى الصف الأول، فى اللحظة ذاتها!
وأتصور أن يكون الوزير شكرى، وهو ينسحب، قد أراد أن يبعث «رسالة» إلى كل من يعنيه الأمر، داخل قاعة الجلسة، وخارجها، وهذه الرسالة هى أن ما بين الدول يقوم فى الأساس على مبادئ، وعلى التزام، ثم على ثقة، وأن هذا كله، أو بعضه، إذا غاب، فلابد أن يكون هناك موقف، وأن أقل ما يمكن اتخاذه عندئذ، وفى مناسبة مثل مؤتمر «ميونيخ» المهم، هو الانسحاب، والخروج من القاعة، لتصل الرسالة إلى الذين يجب أن تصل إليهم.
فلم يحدث أن أساءت القاهرة، إلى الدوحة، فى أى يوم، على مستواها الرسمى.. لم يحدث، وهو كلام قاله صراحة الرئيس السيسى فى تصريح صدر عنه مؤخرًا، ولكن الدوحة، فى المقابل، تسىء إلى مصر من خلال قناة الجزيرة، فى كل يوم.
وليس من الممكن أن يقال هنا، إن قناة الجزيرة شىء، وأن حكومة بلدها شىء آخر، وأننا إذا كنا نتكلم عن إساءات على مستوى رسمى، فالقناة ليست من بين هذه المستويات.. ليس من الممكن أن يُقال هذا، لأن العالمين بدقائق الأمور يعرفون أنه لا فرق فى الحقيقة يفصل بين الحكومة فى الدوحة، وبين القناة، وأن كل ما يتم بثه على شاشتها، إنما يجرى برضا كامل، وبمباركة من الحكومة هناك!
لقد دأبت القناة على بث ما تطلق عليه هى، مسمى «تسريبات».. وهى تبثها منسوبة إلى الرئيس السيسى، مرة، عندما كان وزيرًا للدفاع، ومنسوبًا تارة أخرى، إلى رجال من حوله فى الدولة.. وفى كل مرة كانت القناة تعلن عن تسريب جديد، كنت أعتبره نوعًا من السخف، لأنها لعبة فقدت معناها، أولًا، ثم لأن تسريبات كهذه ثانيًا، يعرف أهل الشأن، فنيًا وتكنولوجيًا، أنها يمكن جدًا تركيبها، لا لغرض، سوى الإساءة إلى جهاز القضاء المصرى كله، مرة، أو الرغبة فى تشويه صورة بعض مسئولينا فى مواقعهم مرات!
وقد كانت كل التسريبات منذ بدأت «كوم».. بينما التسريب الأخير عن كلام للرئيس، حول علاقتنا بالسعودية، والكويت، والإمارات، كوم آخر تمامًا!
كانت هذه «كوم» وتلك كوم آخر، لأن الهدف من التسريب الأخير، إنما كان كما هو واضح، إفساد علاقة القاهرة، بثلاث دول معًا، وهى ليست أى ثلاث دول، ولكنها دول كانت، ولاتزال، داعمة لنا سياسيًا بكل قوة.
ولا أعرف ما الذى كان الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، يرحمه الله، سوف يقوله، لو كان حيًا بيننا، ثم سمع عن تسريب كهذا، وهو الذى قاد، منذ وقت مبكر جدًا، دعمًا سياسيًا قويًا لنا، فى كل محفل دولى أو إقليمى.
لا أعرف ما الذى كان الملك العظيم الراحل سوف يقوله، ولكنى أعرف، كما يعرف غيرى طبعًا، أنه مات، وهو صادق النية تمامًا، فى تحقيق مصالحة جادة بين القاهرة، وبين الدوحة، ثم مات أيضًا، بعد أن أرغمهم هناك على أن يوقفوا بث قناة أخرى، اسمها «الجزيرة مباشر مصر» كانت تفتش عن كل شىء سيئ، فى أركان مصر كلها، ثم تظل تسوق وتروج له، بدرجة من التشفى، ومن الرغبة فى الهدم، غير مفهومة بالمرة!
من أجل ذلك كله، انسحب وزير خارجيتنا، ربما ليقول، إن انسحابه مجرد «رسالة» قد تتلوها رسائل أخرى تقول بأن العبث غير المسئول، ليس من بين ما تقوم عليه العلاقات بين الدول!