الوطن
د. محمود خليل
الناس تعبانة يا ريس
التدنى الملحوظ فى نسبة مشاركة المصريين فى المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب لا يعبر عن إحساس لدى الناس بأن السياسة ماتت، كما يتصور البعض، ولا يعكس نوعاً من العناد من جانب الناخب، أساسه مخالفة الرسالة الإعلامية التى ظلت تحرضه على المشاركة طيلة الأيام الماضية.

فى تقديرى أن انخفاض نسبة المشاركة سببه أن الناس «تعبانة»، فحقيقة الأمر أن المواطن أصبح «متوول» بسبب عجزه عن ملاحقة الارتفاعات المتواصلة فى ثمن كل ما يحتاج إليه فى معيشته، ومن الصعب على «المتوول» اقتصادياً أن يُصغى لصوت السلطة التى تحدثه عن تهديدات كبرى تواجه الوطن، فى حين يشعر هو أن حياته ومعيشته مهددة، بسبب ميل السلطة الحالية إلى «تدفيعه» القسم الأكبر من فاتورة العجز فى الموازنة.

فليتحدث من شاء عن العلمانية والدينية، والفلول والثوار، والفاشية والمدنية، والإرهاب والديمقراطية، لكن الشعب الذى يعيش اليوم بيومه، لم يعد يفهم إلا فى رغيف الخبز، وأنبوبة البوتاجاز، وفاتورة الكهرباء، وكيلو السكر والزيت والأرز واللحم والدجاج، ربما كانت بعض العفاريت اللفظية تُجدى معه فى فترات معينة، مثل الحديث عن الفاشية والفلولية والإرهاب والثورية، لكن المعادلة اختلفت الآن، فلا دين يحرك ولا سياسة تؤرق!.

المحنة المعيشية التى يعيشها الكثيرون حالياً هى السبب المباشر فى عزوف أغلبية الشعب عن المشاركة فى الانتخابات البرلمانية، وتقابلها محنة أتصور أن السلطة دخلت دائرتها بامتياز.

فالنسبة المتدنية للمشاركة مؤشر إذا لم تحسن السلطة قراءته واستيعاب ما يحمله من رسائل فسوف تتضاعف تأثيراته عليها فى المستقبل القريب. فانتخابات النواب، هى الخطوة الثالثة من خطوات خارطة الطريق، التى يصح النظر إليها كوثيقة نظرية مؤصلة لنظام الحكم الحالى.

والإحجام عن المشاركة فى هذه الخطوة الأخطر -خطوة اختيار الشعب لممثليه- يهز من قيمة واعتبار هذه الوثيقة، وهو أمر ليس بالسهل على وجه الإطلاق، ولا أريد أن أشرح فى هذا الأمر أكثر من ذلك!.

محنة الشعب أدخلت السلطة إلى دائرة «محنة»، وكل ما أخشاه حقيقة أن ينتقل الشعب من دائرة المحنة المعيشية إلى دائرة اليأس، وقد كررت لك أكثر من مرة أن يأس الشعب من السلطة أمر له خطره وتأثيراته العنيفة على مستقبلها، خصوصاً إذا أصمَّت السلطة أذنها عن جرس الإنذار المبكر الذى يدقه ناقوس المحنة المعيشية وحالة التعب والإرهاق التى وصل إليها الناس.

أرجو أن تتعلم السلطة هذه المرة، وتدرك معنى ما حدث وأبعاده ودلالاته، وألا تتصرف بنفس الطريقة التى سلكتها، حين لاحظت كسل الناخبين عن النزول فى استحقاق الانتخابات الرئاسية، حين سمحت للعديد من الإعلاميين بجلد الشعب وسبه وقذفه وتهديده بالغرامة وبالحرمان من بطاقة التموين، وغير ذلك من ثرثرة فارغة وغير واعية، تعكس رؤية للشعب تنظر إليه على أنه مجموعة من الدُمى التى يمسك الكبار بخيوطها.. الشعب ليس كذلك، والشعب ما زال يعطى السلطة الدرس تلو الآخر، علها تستفيق. هل تعلم يا ريس أن المفتاح السحرى الذى دخلتَ به إلى قلوب الكثيرين لم يكن سوى عبارة «إن هذا الشعب لم يجد من يرفق به أو يحنو عليه».. ارفق بالناس يا ريس.. الناس «تعبانة»!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف