- تشكل إدارة المعرفة أحد التطورات الفكرية المعاصرة التى اقترحت فى بادئ الأمر كأطر ومداخل جديدة لدراسة وفهم الأعمال المؤسسية، وسرعان ما تحولت إلى ممارسة عملية، أكثر ملاءمة للتغييرات المتسارعة فى عالم الأعمال، وقد تعاظم دورها بعد أن تبين أن بناء الميزة التنافسية والحفاظ عليها يعتمدان أساساً على الأصول المعرفية والاستثمار فيها، بما يعزز من الإبداع المستمر، والذى يعد هو الآخر أحد مقومات تعاظم تلك الميزة لأطول فترة ممكنة، ويعد مفهوم إدارة المعرفة من الموضوعات الحديثة التى تلقى اهتماماً واسعاً من قبل الباحثين فى معظم بيئات العمل الغربية والشرق آسيوية، ولكنه لا يزال فى بدايته فى البيئة العربية، ولا يوجد ما يكفى عن هذا الموضوع من كتابات نظرية، كما لم يلق نصيبه من الاهتمام من قبل إدارات المؤسسات فى البيئة العربية فى جانبه التطبيقى.
- إن أول ما يتبادر إلى الأذهان عندما نشير إلى المعرفة هو ذلك المخزون الهائل من المعلومات الذى يملكه العقل البشرى، وهو معيار المعرفة وأصلها وسببها، حيث يعالج عقلنا بيانات ومعلومات كثيرة جداً لتكوين المعانى، وذلك من خلال بناء علاقات بين البيانات والمعلومات تجعل للتجارب التى نعيشها معنى، ثم يستخدم عقلنا هذا المعنى فى عملية التخطيط وتحديد كيفية الاستجابة للحقائق التى يتم إدراكها، وهذا هو فى جوهره ما يشكل ويُكون المعرفة، فالمعرفة هى القدرة على تطويع العلم، ونقل العلم من مجال النظرية إلى التطبيق العملى، فهى مرتبطة بالفعل، ومن منظور فردى فإن المعرفة البشرية لا تخزّن فى جزء واحد من الدماغ، بل فى أجزاء متعددة منه، حيث يتم الوصول إلى المعرفة من خلال تعاون أجزاء عديدة فى الدماغ تبنى معاً شبكة عقلية ديناميكية، وكذلك تخزن المعرفة داخل المؤسسات.
- وتعرف عملية إدارة المعرفة على أنها: نظام يتضمن نهجاً متكاملاً لتحديد وإدارة ومشاركة كافة الاحتياجات المعرفية، لأى منظومة عمل، وذلك للوصول إلى:
■ القدرة على الفعل.
■ صناعة القرار بكفاءة.
■ الابتكار والإبداع.
■ القدرة على تجديد الدورة المعرفية وتطويرها من خلال إنتاج معلومات جديدة، ولعل هذا هو التحدى الأكبر، جعل الدائرة الحياتية للمعرفة تدور بشكل منتظم وبوتيرة تتلاءم مع متطلباتنا المؤسسية.
- والمعرفة نوعان:
■ صريحة أو ظاهرة بشكل واضح، وهى التى يمكن ملاحظتها بسهولة، وهذا النوع لا يتعدى نسبة الـ5% من المعارف.
■ ضمنيّة ويقصد بها المعرفة غير المصرح بها أو المعبر عنها بصورة غير مباشرة، وتتوافر فى أذهان وعقول الأفراد، وتعتمد على حدسهم وخبراتهم ومهارتهم وقدراتهم التفكيرية، ومواهبهم الفنية الشخصية العميقة المضمرة، وهى تمثل 95% من المعارف.
- توصيات يستوجب الانتباه لها:
■ الاتكال على الموجودات المعرفية التقليدية والأساليب الإدارية التى تركز على المعرفة الموروثة سيحول دون تحقيق المنافسة مع الحضارات العالمية الأخرى.
■ أهمية وجود بنى استراتيجية وطنية وقومية لإعادة إطلاق طاقات البشر للتعلم، والنهل من معين المعرفة بشكل مدروس ومناسب لاحتياجات المؤسسات المختلفة وفى إطار متناغم ومتوازن وسريع، هذا إذا أردنا المنافسة.
■ لا يجب أن نعتمد على المصادفة فى إدارة المعرفة أو نسخ التطبيقات الأخرى، بل يجب تعمد تبنى سياسات وتوجهات جريئة وحماسية لرفع مستوى المكون المعرفى داخل مؤسساتنا الوطنية والإقليمية.
■ عدم الاتكال على التكنولوجيا وحدها رغم أهميتها إلى جانب البناء المعرفى، فإنه لا يمكن اللجوء للماكينات والمعدات والحواسيب لبناء وتوليد المعارف، يمكن التعويل على التقنية كعامل مساعد رئيسى لدعم عملية التعلم وتسريعها، لكن ينبغى التوجه للإنسان، نظرية التأثير الطبيعية تبدأ من المركز للمحيط، حيث إن الإنسان هو المركز (أى أن المجموعة أو فريق العمل أو المؤسسة هى الدائرة الأولى)، وهى تكبر شيئاً فشيئاً حتى تصبح دائرة كبرى تضم المجتمع بأكمله، وتتسع لتشمل العالم بأسره.
■ البدء بالإنسان، ومن مراحله التعليمية الأولى لتنمية قدراته على التعلم المستمر واكتساب المهارات والمعارف التى تمكنه من الخروج من الإطار النظرى إلى التطبيق العملى، وتفهم آليات التعلم والتمكن منها والسيطرة على هذه الملكة الإنسانية الفطرية لتوجيهها باقتدار.
■ الانتقال بالمؤسسات، وخاصة الحكومية لتصبح مؤسسات بحثية وتطويرية، تخصص جزءاً من خطتها وميزانيتها للبحث والنشر والتعلم فى إطار توجه استراتيجى نحو خدمة المجتمع.
■ تبنى مفهوم إدارة المعرفة شرط لترشيح واختيار المسئولين والقياديين، القائد الذى يحسن توجيه مؤسسته لاكتساب المعارف وتنميتها، وإن رحل سيكون موجوداً فى حاضرها والعكس صحيح أيضاً.
■ هناك طريقتان لنشر الضوء: إما أن تكون الشمعة، أو المرآة التى تعكسها.