الأهرام
جمال زهران
التأييد المصرى لروسيا يقلب الموازين
هكذا استثمرت مصر الفرصة فى الوقت المناسب، لتمارس دورا قياسيا فى المنطقة، وتخرج من سجن التبعية الذى وضعها فيها طيلة أربعين عاما كل من السادات ومبارك، ابتداء من عام 1974 ـ عقب حرب أكتوبر المجيدة ـ وحتى قيام ثورتى 25 يناير و30 يونيو.
وقد أفصح الرئيس عبدالفتاح السيسى فى ختام خطاب التنصيب يوم التاسع من يونيو، عن رؤيته لدور مصر وتوجهات سياستها الخارجية، حين قال: إنه لا تبعية سياسية لمصر بعد الآن، وأن الاستقلال الوطنى أهم ركائز الدور المصري، وأنه لا انحياز لأحد إلا فى ضوء الانفتاح على الجميع تحقيقا لمصلحة مصر، مؤكدا الدور المصرى عربيا، وإفريقيا، وإسلاميا، والعالم الثالث، وعالميا، مؤكدا أيضا نظرية دوائر السياسة الخارجية المصرية، التى صاغها جمال عبدالناصر، وظلت فى الخمسينيات والستينيات، حتى انقلب عليها السادات ومبارك بعد 1973م.
ولذلك فإنه من الشواهد الحقيقية على التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية المصرية منذ تولى الرئيس السيسي، الاتجاه شرقا ناحية روسيا والصين ودول شرق آسيا، وقد تكررت الزيارات المتبادلة مما يعكس تطورا نوعيا فى العلاقات، فى الوقت الذى كانت الولايات المتحدة ـ على وجه الخصوص ـ تواصل التصعيد مع مصر، وربما تراجع ذلك بعض الشيء، إلا أن الإدارة الأمريكية مازالت أسيرة مشروعها الفاشل، وهو تصعيد القوى المتأسلمة لصدارة المشهد والسلطة فى مصر، وعدد من الدول العربية، ولعل الفارق بين الشرق والغرب، يكمن فى نظرة كل منهما لمصر والمنطقة العربية والشرق الأوسط، حيث ينظر الغرب إلى المنطقة فى إطار المشروع الاستعماري، ومضمونه إخضاع الإقليم للسيطرة والتحكم الغربى الكامل، وفرض الهيمنة والتبعية على كل دوله، بينما الشرق ينظر إلى المنطقة باحترام وعلى خلفية الصداقة والمخزون الحضاري، وسعيا نحو تعزيز المصالح المتبادلة وليس مصلحة الدولة الكبرى فحسب.

فى هذا السياق، يأتى القرار المصرى بتأييد واضح وحاسم للتدخل الروسى فى سوريا، لضرب الإرهاب المتمثل فى داعش والنصرة وكل جماعات العنف لتطهير الأراضى السورية، ومن هؤلاء الإرهابيون الذين يسعون لتفكيك سوريا وتدميرها فى إطار المشروع الصهيو ـ أمريكي.

وقد تأسس القرار المصري، على خلفية أن هذا العدو فى سوريا هو الإرهاب، وهو ذات العدو الذى تواجهه مصر، وباعتبار أن مصر جادة فى مواجهته بكل السبل حتى المواجهة بالعنف، فإنه يجب ان تدعم كل من يواجه الإرهاب بكل الطرق، ومع إدراك مصر أن أمريكا وأوروبا منذ أن أعلنت الحرب على الإرهاب فى العراق وسوريا (داعش وأخواتها) ومنذ أكثر من عام مضى غير جادة، لذلك أيدته لكنها رفضت المشاركة، بل تحفظت عليه وسط ضغوط غربية لمحاولة توريط مصر فى هذا المشروع الوهمى وغير الجاد، حيث إن داعش وأخواتها من صنيعة الغرب وأجهزة مخابراتها، امتدادا لتنظيم القاعدة وأخواتها ـ وهى من صنع أمريكا أيضا ـ والدليل على ذلك، أن بيان أيمن الظواهرى الوهمي، بحل تنظيم القاعدة والانضمام إلى داعش! يؤكد تغيرات فى الأدوار والمسميات، حسب المخطط الغربى بكل تأكيد.

ومع إدراك مصر، أن المشروع الأمريكى والأوروبى فى مواجهة داعش وأخواتها وهمي، وهدفه إحكام السيطرة على المنطقة، ودعم الإرهاب فى الخفاء والتظاهر بمواجهته، فى الوقت نفسه الذى تموله بالمال والسلاح والتدريب، وكل وسائل الدعم اللوجستي، سعيا وراء استمراره ليكون الفزاعة لاستمرار تبعية جميع نظم الحكم فى المنطقة وردعا للآخرين، واستمرارا فى مشروع تدمير سوريا، وإسقاط نظامها الرسمى الشرعى ورمزه الرئيس بشار الأسد، لذلك لم تجد مصر خيارا سوى قبول القرار الروسي، بضرب الإرهاب فى سوريا، والموافقة عليه ودعمه بكل السبل، لتحقيق الهدف، وهو دحر الإرهاب فى المنطقة.

ولا شك ان القرار المصرى بتأييد التدخل الروسى فى سوريا، دعم للدولة ومحاربة الإرهاب، كان هو الأمر اللافت للنظر ولجميع المحللين والمراقبين، وخلصت الغالبية منهم، على أن هذا القرار المصرى أحدث تأثيرا كبيرا فى موازين القوي، حيث ظهرت مصر وهى تملك زمام المبادرة، والخروج من التبعية، وتصر بعض دول الخليج على إسقاط بشار واستبعاده، ومصر ترفض ذلك، الأمر الذى دعا بعض دول الخليج بالإسراع لمقابلة بوتين والالتقاء بالمسئولين فى روسيا، لإعادة ترتيب الأوراق بعدما تبين أن موسكو جادة فى التخلص من الإرهاب الداعشى الممول والمدعوم عربيا وأمريكيا واسرائيليا، وأن مصر تدعم روسيا فى هذا الخيار، مع استمرار الأسد فى منصبه دعما لشرعيته.

من هنا فإن الحادث الآن، هو إعادة بناء موازين القوى فى المنطقة، ولعل القرار المصرى من ركائز البناء الجديد، وأن مصر مطالبة بإلغاء قرار مرسى الإرهابي، بقطع العلاقات مع سوريا، وذلك لإعادة هذه العلاقات فورا، وعدم الاكتراث بالضغوط الخليجية، لأن مصيرها السير وراء مصر لا أمامها، إن مصر الجديدة ودورها القائد، يعاد بناؤه فى ظل ثورتى 25 يناير و30 يونيو... ومازال الحوار متصلا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف