الوطن
نشوى الحوفى
عزيزى النخبوى الثورى المثقف..
دعنى أوجهها لك رسالة، لا من باب التعالى كما تفعل على بلادى وأهلها بدعوى أنك الملم بالحقيقة الجامع لها المدرك لكل تفاصيلها وما عداك كله محض افتراء، ولا من باب النقد الهادم لذاتك وفعلك وقولك وحياتك الخاصة كما تفعل أنت مع عباد الله من المختلفين معك حتى انتقلت عدواك لمن يخالفونك فبت معلّماً لهم فى قبح صدرته لهم، ولا من باب التفذلك والتقعر والتنظير دون فهم لدوافعك واحتياجاتك وواقع الأمر الذى نعيشه جميعاً، ولا من باب الاصطياد فى الماء العكر وتسويد الحياة فى وجهك وتصدير الإحباط لك، ولكن من باب الأمانة فى إعجابى بفكرك الناقد المبدع رغم شطحاته، وباب الخوف على وطن يحتوينا جميعاً وأدرك حلمك له بغد أفضل، وباب النصح لنفيق جميعنا وتتوحد جهودنا رغم اختلاف الرؤى التى فى تنوعها رحمة؛ لذا أرجو أن يتسع صدرك.

أعلم إيمانك بفكرة النضال وتبنيك لها، ولكن دعنى أعبر لك عن رأيى فى أسلوب نضالك الذى لا يتعدى حدود استوديوهات القنوات وغرف الأحزاب المغلقة فى أحاديث لا تصل لعامة الناس ولا تستمع لهم ولا تنير لهم طريق العبور لما تطرحه من مشكلات. فهى أحاديث فى اتجاه واحد تتكلم ولا تستمع، ترى الحقيقة المطلقة فيما تتحدث عنه، ترفض الجوانب الأخرى للفهم، تُعجب بذاتك وهى تكرر كلمات رنانة تثير موجات التصفيق أمام دخان الشيشة على المقاهى و«اللايكات» على مواقع التواصل حتى بت تعتقد أنك المتحدث باسم الشعب والمعبر عنه والقائد الملهم الذى يتحدث فينصت الجميع، ويأمر فتسير خلفه الجموع. لكن هذا غير صحيح يا عزيزى؛ فالحقيقة ليست مطلقة بل بوجوه عدة، لذا عليك أن تعلم أنه طالما ارتضيت أن تمسك ببوق الحديث فعليك أن تعرضها كاملة بلا مواربة لجزء على حساب آخر فتلك أمانة. واعلم عزيزى أن النضال الحقيقى ليس كما تمارسه أو تؤمن به، بل هو فعل تنموى مستمر على مدار العمر لتحقيق أهداف وراء أهداف لصالح العباد والبلاد. فهل جربت أن تتنقل بين طرقات منطقة عشوائية للاقتراب من مشكلات أهلها والبحث عن حلول لها بما لديك من قاعدة جماهيرية؟ هل سعيت أن تنزل للمدارس والجامعات والحقول والمصانع لتزيد من وعى الناس وتصحح لهم ما عجزوا عن إدراكه من مفاهيم وتشرح لهم أبعاد الواقع؟

أرجوك أن تفعل كما فعل المناضلون الحقيقيون كـ«غاندى» الذى ظل من 1914 وحتى 1948 يدعو لاستقلال أمته وتعليم أبنائها وبعدها بعام فارق الحياة باغتيال أعمى لفكر متعصب لم تصله سماحة نضاله.

ومن باب توسعة الفكر، عليك أن تعلم حقيقة دورك فى الحياة. فإن كنت مثقفاً فأنت صاحب رسالة لبناء النفس والعقل والأخلاق ونشر الجمال والأمل والثقافة. لذا فكلمات الانسحاب من المشهد بدعوى التضييق عليك أو مطاردة فكرك لا تليق بك. فالرسل وأصحاب الرسالات والمنادين بالتغيير لم ينزلوا إلا بين مختلفين عنهم ورافضين لما يدعون له وأصحاب مصالح لا يروق لهم ما يُحدثون الناس به. والمثل حاضر بين «نوح» الذى ظل يدعو الناس 950 سنة و«يونس» الذى ذهب مغاضباً فالتقمه الحوت. إما أنك صاحب دعوة للإنارة والتغيير للأفضل بوعى وفهم للواقع والمستقبل الذى تسعى له، أو أنك لست شيئاً من هذا. لذا عليك المثابرة والرد بالحجة وعدم الملل من الشرح برقى الكلمات ووضوح الرؤية وتقبل الآخر أياً كان ما دام لم يخن وطناً.

ومن باب التذكرة -لى من قبلك- أذكرك بأننا جميعاً أسباب فى يد المولى لتوصيل رزقه لعباده أياً كان هذا الرزق -إفهاماً بكلمة أو توعية بشرح أو مخرجاً لأزمة- لذا فلا فضل لنا فيما استعملنا فيه. فأرجوك بعضاً من تواضع ومزيداً من بشر، فالسنبلة الفارغة فقط هى التى ترتفع فى الهواء، بينما الممتلئة تزداد انحناءً.

وأخيراً، عزيزى.. تذكر أننا نعيش فى وطن واحد كمصريين نذود عن بلادنا وسط موجات لا تنتهى من تربص أعدائنا بنا فلتتكاتف جهودنا لبناء وطن آمن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف