هل تعرف لعبة المتاهة؟ إنها اللعبة التى تختبر قدرتك على الخروج من ممرات تتشابك مع بعضها بعضاً، من المفترض أنك لو تحركت فيها بذكاء، فسوف تخرج إلى الفضاء الرحب، أما إذا تنقلت بين ممراتها دون حكمة وتفكير، فستجد نفسك أمام «حيطة سد» تعيدك إلى الخلف من جديد. وعقل اللاعب فى هذه الحالة هو «البوصلة» التى يمكن أن تهديه إلى باب الخروج، وفى الحالات التى يتعطل فيها العقل تفتقد البوصلة، ومن يسير فى أى طريق دون أن يحمل معه بوصلة تهديه عبر ممراته، فإن التيه أو «التوهان» يمثل نهاية حتمية بالنسبة له.
المصريون يشعرون الآن بأنهم غارقون فى لعبة المتاهة، وأخشى أن يكونوا قد وصلوا إلى إحساس بأن السلطة التى ظنوا أنها تمسك البوصلة فى أيديها، ليست على ما يرام، وأن من الصعب عليها أن تسير بهم إلى باب الخروج. وأقرب مثال يمكن أن يوضح لنا هذا الإحساس هو ما تمخضت عنه المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، فعزوف أغلب الناخبين عن المشاركة، ومشاهد بعض اللجان الخالية، إلا من الموظفين والقضاة والمندوبين والإعلاميين، تؤشر إلى أن الكثيرين يشعرون بأن حالهم لم يتغير، وأنهم ما زالوا يتجولون داخل المتاهة، يسيرون فى أحد ممراتها، فينتهى بهم السير إلى «حيطة سد»، فيعودون أدراجهم إلى الخلف، وتكاد تكون عبارة «العودة إلى الخلف» أو «لف وارجع تانى» هى العنوان العريض الذى يمكن أن يعبر بدقة وعمق عن المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، فالوجوه المتنافسة، وتدنى نسب المشاركة، ويأس الناس من المجلس المقبل، ورسوخ إحساس لديهم بأنهم لن يكون مدافعاً عن حقوقهم، بل سيخلع رداء الشعب ويفرشه أمام السلطة، كل ما سبق أمور تعبر عن فكرة «العودة إلى الخلف»، لقد بلغ الأمر بالبعض حد استدعاء انتخابات 2010، وتشبيه الانتخابات الحالية بها، الأمر الذى يؤكد إحساس العيش داخل «متاهة».
يردد البعض أنه بغض النظر عن نسبة المشاركة، فإن المجلس سيتشكل، وسيجلس نواب القوائم والمستقلون على مقاعد البرلمان، وتسعى قائمة «فى حب مصر»، كما ذكر رئيسها إلى تعديل الدستور والتنازل عن الصلاحيات التى يتمتع بها المجلس الممثل للشعب للرئيس، يردد البعض أن كل شىء سيمضى، وأن الناس سوف تنسى بمرور الوقت حكاية المشاركة المتدنية، وتتعامل مع مجلس النواب على أنه جزء من واقع المتاهة التى يعيشون فيها. ذلك ما يتوقعه بعض البسطاء من المواطنين، وما يتوقعه أيضاً بعض المسئولين الذين يتكلون -وهم فى بالغ السعادة- على ذاكرة الشعب المثقوبة، ويقولون فى سرهم، وفى علنهم: «بكره الناس تنسى.. ومش هيبقى غير المجلس».. أو بعبارة أخرى «مش هيبقى غير المتاهة». ربما كان تفكير هؤلاء صحيحاً، لكن ثمة علة وحيدة فيه، تتمثل فى إهمال الواقع الذى تغير على الأرض بعد ثورة يناير. قبل ثورة يناير كان المواطن يقبل بالدخول فى «المتاهة» والعيش فيها مهما طال به الأمد، لكنه بعد الثورة تعلم أن يسير فى ممراتها، ويجتهد فى البحث عن مخرج، ربما قابل العديد من الحوائط السد فى الممرات التى سار فيها، لكنه لم يتوقف عن المحاولة والاجتهاد فى البحث عن بوصلة تقوده إلى طريق الخروج.