الوطن في الإسلام له مكانة عظيمة. وقدسية تستحق الاستشهاد في حمايته والدفاع عنه.. المسلم لا يقايض علي وطنه بشيء مهما كان غاليا وثمينا. إذ أن الوطن هو الأغلي وهو الأثمن. ولا يجوز أو يقبل الإهمال في حقه مهما كانت المغريات. ومهما كانت العوامل التي يلاقيها الإنسان في وطنه.
الوطن باق والأشخاص زائلون.. يهون كل شيء في سبيله والدفاع عنه والبقاء فيه والشوق إليه. مهما باعدت المسافات بين الإنسان ووطنه. وطالت الغربة. ولذا قال رسول الله صلي الله عليه وسلم مخاطبا مكة المكرمة وكأنها شخص له قلب وسمع وعقل - خاطبها - قائلا: والله إني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلي الله وأحب البلاد إلي قلبي. ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت أبدا.. الرسول صلي الله عليه وسلم يمتلئ حبا وعشقا لمكة المكرمة التي نشأ فيها وتربي وسلك دروبها. وصعد جبالها. وطرق شعابها فعز عليه أن يخرج من وطنه لولا أن أهله أجبروه علي الخروج منها والابتعاد عنها. وفي قول آخر للرسول الكريم معلم الأمة وقائدها قال: اللهم حبب إليّ المدينة كما حببت إليّ مكة.. أرأيت عشقا وإخلاصا وحبا جارفا للوطن مثل هذا.. صلي الله عليك ياسيدي يارسول الله.. علمتنا الاخلاص للوطن وعلمتنا حبه وعلمتنا العطف والشفقة والارتباط بالأرض وجعلت الشهادة في الدفاع عن الأرض والعرض لا فرق بينهما فمن مات من أجل وطنه فهو شهيد ومن مات دون ماله فهو شهيد ومن مات دون عرضه فهو شهيد ومن مات دون دينه فهو شهيد.
يطلع علينا من آن لآخر من يزعم وزعمه باطل وعلي غير أساس أن التمسك بالدين والدفاع عنه يتنافي مع حب الوطن والاخلاص له لأن المسلم حتي يكون مسلما لا شأن له بالوطن الذي يضم المسلم وغير المسلم.. من يزعم ذلك لم يعرف الإسلام حق المعرفة. ولم يقرأ فيه بحياد وتجرد. إنما تأتي قراءاته بحثا عما يجرح هذا الدين ويعزله عن مناحي الحياة كلها.
رأينا الرسول صلي الله عليه وسلم يحب وطنه مكة حبا جما رغم أن مكة كانت حينئذ تضم في جنباتها كفارا يعبدون الأصنام من دون الله. كما تضم مسلمين موحدين الخالق عز وجل.. طلب من الله أن يحبب إليه المدينة كما حبب إليه مكة رغم أن المدينة كان بها يهود ونصاري ومنافقون وعباد أوثان. لم يستنكر علي أي من هؤلاء سواء كانوا من أهل مكة أو أهل المدينة.. فالمسلم في وطنه لم ينكر حق المسيحي في ذات الوطن كل يعرف حق الآخر ويحترم وجوده وحريته في العقيدة والحياة.
النفخ في النار لإشعال الفتنة والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد. هو ضرب من الشيطنة في تفرقة الأمة تصب في مصلحة من يرغب في تفتيت المنطقة وإظهار أن فئة أو جماعة لا تعترف بحق الآخر في المواطنة. عمل لا يرضاه الإسلام وتبغضه العقيدة الإسلامية والإسلام غير مسئول عمن لا يفهمه علي الوجه الصحيح والأمثل.
أري أن من يبرز فكر جماعة ليهاجمها عن أفكار تخصها لا يقل خطورة عن تلك الجماعة ذلك أنهم جميعا لا يراعون مصلحة الوطن ولا أهمية لديهم إلا في حرائق يشعلونها بدعوي فريق انه يدافع عن المواطنة والفريق الآخر يزعم أنه متحدث باسم الإسلام.. هؤلاء جميعا ذوو أغراض خبيثة واتجاهات مشبوهة ندعو الله أن يقي الوطن شرها وبلاءها.