لا شك أن ثقافة الناخب ومدي وطنيته يسهمان إسهاماً كبيراً في توجهه واختياره ومشاركته. فكلما كان الوعي الوطني راسخاً. والثقافة واعية وناضجة. وتوجه الناخب توجهاً صحيحاً في اختيار أفضل البرامج والمرشحين. سواء أكان ذلك فيما يتصل بالقائمة. أم فيما يتصل بالمقاعد الفردية.
غير أن تشكيل ثقافة الناخب يحتاج إلي عمل مؤسسات وطنية متعددة. منها وسائل الإعلام الوطنية. ومنها جهود المرشحين. ومنها دور الأحزاب. ومنها الأعمال الفنية. ومنها المؤسسات الثقافية. والشبابية. والمجتمعية. ومنها المنظمات الحقوقية والإنسانية. ومنها مؤسسات المجتمع المدني.
وبما أن قضية الانتخابات قضية وطنية محضة لم يكن من الحكمة ولا من الصواب إلباسها أي لون من ألوان الحل والحرمة. أو الحكم بالمال علي المشاركين أو عدم المشاركين إلي الجنة أو النار. إنما ينحصر دورنا في الدعوة إلي المشاركة الإيجابية. وضرورة اختيار الأكفأ والأقدر علي خدمة الوطن وفهم قضاياه. واعتبار ذلك واجباً وطنياً.
غير أن هناك ضوابط ينبغي ترسيخها لضبط ميزان العملية الانتخابية في جميع مراحلها. ومن أهمها: تفعيل القانون. سواء في مراقبة الحد الأقصي المسموح به في الدعاية الانتخابية واتخاذ الإجراءات الحاسمة تجاه المخالفين. أم في اتخاذ إجراءات حاسمة تجاه من يوظفون الدين في العملية الانتخابية ومحاولة التأثير علي إرادة الناخب. علي أننا نحتاج إلي حسم أشد تجاه المال السياسي أو المال القذر الذي يعمل علي إفساد المجتمع من خلال شراء الأصوات أو شراء الذمم. وفي حالة التحقق من ذلك تجاه أي مرشح يجب النظر بجدية في اتخاذ الإجراءات اللازمة في معاملته بخلاف مقصوده بالشطب النهائي. بل وحتي الحرمان من ممارسة الحقوق السياسية لمدة معينة. ردعاً لأصحاب النفوس المريضة الذين يستخدمون ثرواتهم لقلب الحقائق وتزييف الواقع.
ولا شك أن وعي الناخب المصري غالبا ما يفوق التوقعات. ويكون علي مستوي الحدث. ولعل أهم ما يلفت النظر في الانتخابات الأخيرة هو قدرة الناخب علي التمييز. واستشعاره مكامن الخطر. ورفضه محاولات القهر الفكري أو التفكير علي غير أساس وطني. أو اللعب بمشاعره الدينية. مما يعد نقلة كبيرة وتحولاً واضحاً في ثقافة الناخب المصري.
ولعل آهم مكتسبات هذه الانتخابات البرلمانية الأخيرة هو تحقق النزاهة والشفافية في أعلي درجاتهما. ووقوف مؤسسات الدولة علي مسافة واحدة من جميع القوائم وجميع المرشحين. مما يعطي الصوت قيمته الحقيقية. ويعيد للناخب ثقته في المشاركة الايجابية. ويثري الحياة السياسية. ويؤصل لبناء نظام ديمقراطي راسخ يعبر عن الإرادة الحقيقية للناخبين ويحترم اختياراتهم.