اين تقرأ هذا المقال الآن. في بيتك أو وسط أولادك أم في القطار وأنت تسافر ولربما في حافلة عامة، أو من الممكن أنك تقرأه بعد نشره بأيام، ومن الوارد بشهور وملفوف في هذه الورقة ساندوتش طعمية والزيت ترك علامته الأبدية ولربما قرأته مصادفة بعد سنوات وبعد أن انتهي ورق الجريدة المطبوع عليه إلي جلاد للزجاج يحفظه من الأتربة العالقة ولربما قرأته في عملك أو حكي لك أحد عنه، ومن الممكن أن تكون ممن يقرأونه علي الموقع الإلكتروني للجريدة أو شبكات التواصل الاجتماعي.
ليس هذا مهما. المهم الآن أن تجلس معي الآن وأنا أكتبه في الأقصر، حيث ذهبنا مع مبادرة اسمعونا لتسليم حقيبة مدرسية جديدة بمشتملاتها للأطفال في القري الأكثر احتياجا بعد أن كان حلمنا هو جمع تبرعات لعشرة آلاف شنطة فإذا بها تصل لما يزيد عن ثلاثين ألفا تولت وزارة التضامن الاجتماعي التي تتولاها وزيرة محترمة مجتهدة اسمها غادة والي الإشراف علي الأمر.
المهم الآن أن أحكي لك عن الأقصر حيث السياحة في غرفة الإنعاش، والمراكب والبواخر راسية بلا عمل، ونسبة الإشعال في الفنادق ضعيفة لدرجة الإهانة، ولافتات الدعاية للانتخابات البرلمانية لا تعني للبسطاء أكثر من وجوه كالحة تعتلي المنصات وتمسك بالميكروفونات ولا تفعل شيئا بينما ينام أهالي القري الفقيرة في العراء ولا يجدون مياها صحيا ولا صرفا صحيا ولا عملا لأن أغلبهم لظروف الفقر غير متعلم وأكله الأساسي كسر الخبز الناشف بعد أن (يسقيه) في الماء ليصبح طريا، بينما يبحث عن عمل ويتعامل معنا بمنتهي عزة النفس وكأننا - وهو بالتأكيد محق - نحن الذي نحتاجه.
المهم الآن أنني أمر بجوار مدرسة الشهيد سيد زكريا بنجع الشيخ البغدادي مركز البياضية فأسأل عنه لأكتشف ما هو أهم من كل ما فات، وما أهديه للشئون المعنوية والتربية والتعليم، بل ولا أبالغ حين أهديه للمخابرات الحربية والرئيس السيسي الذي كان يرأسها يوما، لأعيدهم لمشهد لم يروه حين دخل رجل أعمال إسرائيلي لسفارتنا في ألمانيا أثناء احتفالها بذكري أكتوبر عام 1996 ليسلمهم كيسا احتوي علي بذلة عسكرية وقرص معدني مدون عليه اسم الجندي سيد زكريا مع خطاب كان قد كتبه لوالده، ويحكي لهم ما فعله أسد سيناء علي حد وصفه، ففي عز الحرب، حيث تسبب - وحده - في تدمير ثلاث دبابات وقتل طاقمها المكون من 12 جنديا، ثم قام بقتل سرية مظلات من 22 جنديا إسرائيليا، وحين حاصروه، قاتلهم ببسالة حتي نفدت ذخيرته، فكان يجري مكشوفا من موقعه إلي مواقع زملائه من الشهداء ليلتقط أسلحتهم ويكمل القتال ببسالة منقطعة النظير ظن معها الإسرائيليون أنهم يواجهون كتيبة وليس مجرد مقاتل مصري واحد، حتي تمكن منه جندي إسرائيلي ضربه من ظهره، ونظر له بإعجاب قبل أن يستولي علي أوراقه ويحتفظ بها ويقوم بدفنه حسبما حكي فيما بعد.
أسمع القصة فلا أصدقها. أبكي وأنا أقرأها حرفيا علي جوجل وأسأل نفسي من يعرفها؟؟ وهل نال الشهيد حقه والتكريم اللائق به، وأضرب كفا بكف علي صناع الدراما والسينما الذين لم يقدموا شيئا لحرب أكتوبر بعد، مثلما لم تقدم شيئا حقيقيا لفقراء وبسطاء هذا الوطن من المنسيين.
في الأقصر ستقابل محافظا شابا مدهشا هو د.محمد بدر يعطيك أملا في مصر وشبابها ويتحدث عن أحلامه التي لا ينقصه لتحقيقها سوي الموارد لتعود الأقصر عاصمة مصر السياحية، لكن لا حياة لمن تنادي.
لو كنت من الحكومة لوجهت جهودي بالكامل لقري الصعيد والأقصر، ولو كنت مكان وزير التربية والتعليم لقررت قصة البطل علي الطلبة في المدارس، أما الرئيس، فيجب أن يزور الأقصر ويري البسطاء ويكرم أسرة الشهيد ويجب أن يشكل لجنة لحفظ بطولات حرب أكتوبر التي نهينها بالنسيان والتجاهل.