نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية تحمل رسالة واضحة إلى كل من يهمهم الأمر، وهى أن هذا الشعب «معدش ينضحك عليه بالدين». فالحزب الأكبر الذى امتطى صهوة الدين وردد عبر الأسابيع الماضية أنه المدافع الأوحد عن الشريعة الإسلامية، ودعا الناس إلى انتخابه دعماً لدوره فى الحفاظ على شريعة السماء، لم يلتفت إليه أحد، بل ويمكن القول إن الناخبين أسقطوه فى المرحلة الأولى، والبقية تأتى فى المرحلة الثانية. إنه حزب «النور» الذى أخذ يبرر فشله بالتأثيرات السلبية للدعاية السوداء التى قامت بها جماعة الإخوان من ناحية، وهجوم الأحزاب الليبرالية عليه من ناحية أخرى، بل وأخذ بعض المحللين يزعمون أن السر فى تراجع «النور» يرتبط بعدم دعم التيارات السلفية له. المسألة ليست فى الإخوان، ولا فى الليبراليين أو السلف، المسألة ببساطة أن التلاعب بالمشاعر الدينية للناس أصبح جزءاً من الماضى، وأن التجارة بالدين أصبحت شديدة البوار فى سوق المصريين. وخيرٌ لمن احترف هذه «الشغلانة» أن يبحث لنفسه عن «شغلانة تانية»!.
فشلت الدعاية المستندة على التجارة بالدين فى جذب القلة التى ذهبت للإدلاء بصوتها إلى حزب «النور»، و«ضلّمت» له النتائج. وينسحب الأمر نفسه على بقايا جوف البطن السياسى المصرى ممن حاولوا حث المحتجين الصامتين من أبناء المحروسة على ترك «الكنبة» والنزول للانتخاب، ممن ظنوا أنهم يقدمون بذلك خدمة للسلطة!. هؤلاء المشايخ الذين خرجوا على شاشات الفضائيات مطنطنين بالشعارات الدينية لحث الناخب على النزول. أحدهم قال إن تارك الانتخابات لا يقل إثماً عن تارك الصلاة، وآخر أخذ يقلد الإخوان -رغم عدائه لهم- فى استدعاء الآية الكريمة التى تقول: «ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثمٌ قلبه»، ليؤكد أن الإدلاء بالصوت شهادة لا بد وأن تقام للمولى عز وجل. ولست أدرى ما العلاقة بين مدلول الشهادة فى الآية الكريمة، ومزاج الناخب؟!. وفى الوقت الذى خاض فيه وزير الأوقاف حرباً ضروساً ضد استغلال المساجد فى خدمة السياسة -وعنده حق فى ذلك- فإنه سمح لوعاظه باستخدامها فى التحريض على النزول فى الانتخابات!. وكما لم يستجب المواطن لحزب النور، لم يستجب أيضاً لهؤلاء «المنورين» على الاتجاه الآخر، وركل كل هذه الدعاية الرخيصة التى تحتال عليه بالدين من أجل إخضاعه فى الدنيا. إن لم يكن للانتخابات الأخيرة من نتيجة سوى تنبيه الجميع إلى أن المصريين «معدش ينضحك عليهم بالدين»، فبها ونعمت، وحسبنا ذلك نتيجة.
ياااااه على المصريين وهم يبهرون ويعلّمون، يبهرون بصمتهم حين يريدون التعبير عن الضجر والتململ، ويبهرون بأدائهم حين يركلون المتاجرين بالدين لحساب جماعاتهم ومن يقف وراء جماعاتهم، والمتاجرين بالدين لحساب الدولة، ويؤكدون أنهم اختلفوا. ليت المسئولين عن هذه الانتخابات ومَن تنافسوا فيها، وكل من اهتموا بأمرها، أن يفهموا هذا التحول الخطير فى شخصية المصرى الفصيح، ليتهم يستوعبون أن هذا الشعب يضحك من داخله على الجميع، يضحك ضحك الواثق من أنه يعلم أنه قادر على الحسم فى أى لحظة. المصريون يضحكون، بس «ماينضحكش عليهم»!