لا يمكن المزايدة علي حرص الدولة السعودية ورغبتها الصادقة في خدمة الحرمين الشريفين ورعاية حجاج بيت الله.. إنما في المملكة كأي مجتمع يوجد صغار كفيلون بقتل الانجازات العظيمة ما لم يتم الانتباه إليهم.. فمن غير المتصور مثلا أن يكون المخطط السعودي وهو يبذل الجهد وينفق مليارات الريالات ويوفر الامكانات قد توقع أن تكون المحصلة بعد كل ذلك معاناة لضيوف الرحمن بالوقوف المتكرر لساعات أمام ما يسمي بـ "مراكز التفويج" لمراجعة بيانات سبق مراجعتها.. فالخروج من مطار جدة استغرق 3 ساعات بينما الطريق السريع إلي مكة المكرمة الذي بلغ طوله 78 كيلومترا استغرق من الحافلة 5 ساعات كاملة أما الطريق إلي المدينة المنورة فقد تطلب 12 ساعة لقطع مسافة طولها 450 كيلومترا.. ليست أزمة زحام لكن أزمة بيروقراطية عجيبة وإجراءات عبثية لم تفلح زجاجات المياه المثلجة ولا الوجبات المجانية التي تضمنت حتي حبوب الترمس المستوردة خصيصا للحجيج من أسبانيا في التخفيف من وطأتها خاصة مع الشعور بأن لا طائل من وراء تلك الإجراءات.. ومع كل خطوة يستوقف مسئول ما الأتوبيس لتسجيل أرقامه.. أما التأخير لأكثر من 4 ساعات علي الطيران السعودي فلم يكن هو أبرز المشاهدات خاصة وأن التأخير يحدث "في أحسن العائلات" ثم أن مدير المحطة في القاهرة اعتذر للركاب وقدم لهم وجبة ساخنة فاخرة تعويضا عن ملل ساعات الانتظار.. علي عكس مدير المحطة بالمدينة المنورة الذي استفز الركاب بمحاضرته عن أصول ركوب الطائرات التي ألقاها بطريقة آمرة علي عجوز يضطر لركوب الطائرة لأول وآخر مرة لأداء الفريضة الدينية كأنما يلقي درسا علي طالب وظيفة في المطار.. إنما الملفت حقيقة هو بث فيلم "أكشن" أمريكي علي مسافرين بملابس الإحرام دون تقدير لاعتبارات دينية أو حتي تجارية.. كأنها أزمة هوية أرجو ألا تمتد إلي خارج المطار.
صحيح أن الحج مشقة لكن يبدو أن البعض أخذوا علي عاتقهم صنع المشقة للحجاج.. خلافا للاهتمام البالغ الذي يبديه ملوك الدولة خلفا عن سلف.. وقد بدأت في مدينة الرسول أعمال التوسعات الجديدة حول الحرم النبوي التي ستطال هدم جميع الفنادق والمباني المحيطة في دائرة نصف قطرها كيلومتر من جميع الاتجاهات بما فيها الطرق والكباري حتي تلك التي مازالت تحت الإنشاء.. في حين تجري علي قدم وساق التوسعات في الحرم المكي وزينات وزخارف لا يبدو أن لها سقفا في الانفاق وتصل إلي حد "البهرجة".. فإن مناطق المشاعر في المزدلفة حيث الطوابير علي دورات المياه.. ومني مازالت تنتظر مزيدا من التطوير بما يتناسب مع الاحتياجات العصرية المتجددة للزوار.. ويجسد التطوير الذي جري علي "رمي الجمرات" من حيث المعالجة المادية والفكرية قدرة المملكة السعودية علي تجاوز التحديات.. بالمصارحة والحرص علي المراجعة والتصويب المستمر للمسار ومعالجة العيوب والثغرات.. ونتمني للأشقاء كل التوفيق انتصارا لقضية الإيمان في مواجهة دعاوي الكفر والالحاد.. ومهما كانت المعاناة فإن النفس تشتاق سريعا للعودة إلي بيت الله ومدينة الرسول.