المساء
مؤمن الهباء
توبة.. عن التزوير
كلنا يعرف أن الانتخابات كانت تزور قبل ثورة 25 يناير بكل وسائل وأساليب وأشكال التزوير.. كانت الصحف ووسائل الإعلام تتغني بالحيدة والنزاهة وهي تعلم تمام العلم أن الانتخابات مزورة وأن الناس تعرف الحقيقة.. كان الاختلاف ربما حول درجة التزوير.. هناك تزوير فاجر ومفضوح وعلني.. وهناك تزوير "شيك" يتم علي استحياء في الغرف المغلقة وفي حدود ضيقة وبأدب جم.
ولعلها المرة الأولي في تاريخنا السياسي أن يخرج رجل أعمال مشهور في دائرته الانتخابية ليعترف بأنه كان يزور الانتخابات للحزب الوطني.. ويتحدث بالوقائع في فيديو مصور.. وهو ما يثير عدة أسئلة.. هل هذه توبة سياسية فقط.. أم أنها توبة أخلاقية ودينية عن ذنب أو ذنوب من الكبائر.. وماذا يقول القانون في ذلك.. وهل يجب محاكمة الرجل الذي تاب خصوصاً أن جريمة التزوير لا تسقط بالتقادم؟!
القصة نقلتها لنا صحيفة "الشروق" يوم الثلاثاء الماضي علي صفحتها الأولي.. حيث ذكرت أن فاروق محسن رجل الأعمال بطنطا اعترف - في واقعة غير مسبوقة - باشتراكه مع الأمن قبل ثورة 25 يناير في تزوير الانتخابات لنواب الحزب الوطني وقتها.. مطالباً المصريين بأن يغفروا له هذا الذنب.. لأنه - حسب تعبيره - كان من عتاة المزورين وحمل وحده 4 أجولة من الأصوات لتزويرها لصالح مرشحي الحزب المنحل.
وأضاف الرجل أنه يحاول أن يكفر عن ذنبه بتشكيل ما أطلق عليه "الظهير الشعبي للوقوف أمام فلول الوطني".. وعدد هذا الظهير وصل لأكثر من 30 شخصاً.. ودشن رجل الأعمال حملته معلقاً صور المرشحين الذين كانوا ينتمون للحزب الوطني.. كما بث الفيديو الخاص باجتماعه مع أعضاء الظهير واعترافه بالتزوير.
والسؤال الآن: ما هو رد الفعل أو ردود الأفعال التي أحدثها هذا الفيديو الفريد؟!
العديد من الحقوقيين طالبوا بتقديم فاروق محسن للمحاكمة الجنائية.. ومنهم محمد شفيق رئيس مركز الدلتا لحقوق الإنسان وسيد الفقي بمركز هشام مبارك لحقوق الإنسان.. وذلك علي اعتبار أن جريمة التزوير لا تسقط بالتقادم.. وأنها أصبحت ثابتة باعتراف المزور.. وقال شفيق إنه بصدد إعداد بلاغ لتقديمه للمحامي العام لضبط وإحضار رجل الأعمال.. وفي المقابل أكد عدد من المرشحين أن فاروق يبحث عن دور في كل نظام.. وأنه يناصر أحد نواب الوطني المنحل في انتخابات النواب.. وطالب جلال شلبي نقيب المحامين بمحافظة الغربية بفضح من اعترف بالتزوير علانية وعدم تركه يرتع في مدينة طنطا.. مؤكداً أنه سيتخذ جميع الإجراءات الجنائية ضده.
وعلي هذا النحو صارت القضية شائكة ومعقدة جداً.. فمصر - لاشك - تحتاج إلي كثير من مثل هذا الاعتراف بشكل صريح ومباشر.. حتي يتأكد من لايزال مضللاً أو متعامياً أن البلاد كانت تسبح في بحر من التزوير ليس له آخر.. وأن التزوير - مع أوزار أخري - هو الذي أوصلنا إلي ما نحن فيه اليوم من تدهور وتخبط.. وبالتالي علينا أن نشجع الآخرين علي أن يعترفوا لكي نقطع الطريق علي من يفكر في التزوير من جديد.. ولكن دون أن نسمح للمعترفين بالحصول علي مزايا وبأن يتصدروا المشهد.. كمن تريد أن تعتزل الفن وتتحول إلي داعية إسلامية.. وفي الوقت ذاته لا تستطيع أن تقف في وجه من يريد تطبيق القانون ويحاكم كل من يعترف.. وإن كان من شأن ذلك أن يجعل اعتراف فاروق محسن مثل "بيضة الديك".. لا يمكن أن تتكرر حتي لو تحقق المستحيل افتراضاً.
ثم.. ما هو الهدف من وراء الاعتراف الآن؟!
الله أعلم بالنيات.. لكننا يجب أن نجعل الهدف أكبر من المسائل الشخصية والتجاذبات الحزبية والانتقام السياسي.. يجب أن يكون الهدف - في تصوري - هو إعلان مصر دولة خالية من تزوير الانتخابات بجد.. وعن اقتناع.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف