الجمهورية
د. أحمد جاد منصور
الكلمة السحرية هي "الإدارة"
لا شك ان الفارق الجوهري بين الدول المتقدمة والدول النامية كلمة سحرية تسمي الادارة والتي تعني الرغبة والقدرة علي تنفيذ الخطط والسياسات وتحويلها إلي واقع ملموس وهنالك مقولة لشكسبير دع الحمقي يتنافسون حول اشكال الحكومات من الناحية السياسية ان افضل الدول علي الاطلاق هي أفضلها في الادارة. لأن مجرد توافر الموارد الطبيعية والمالية وحده لا يكفي ولكن المهم هو كيفية ادارة هذه الموارد والاستفادة منها.
ولذا ينبغي ان يكون القائمون علي ادارة التنمية علي أعلي مستوي من القدرة والكفاءة والمهارة لأننا إذا كنا لا نأتمن سوي الاطباء علي علاجنا وإذا كنا لا نأتمين غير المهندسين في تشييد مبانينا التي نحيا فيها فلماذا لا تأتمن من درسوا وفهموا وحذقوا مهنة الادارة لادارة شئون حياتنا.. هذه ثقافة مهمة للغاية وينبغي ان توضع في الاعتبار جيدا وآن الأوان ان تطبق في بلدنا لأنه لم يعد لدينا وقت نضيعه أو نهدره.
وادارة التنمية لا تقتصر علي التنمية الاقتصادية فقط لأن التنمية لها مفهوم أكثر شمولا فهنالك التنمية البشرية أهم محاور التنمية ويقصد بها صناعة العقول والاستثمار في البشر ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال التعليم والتدريب ولكن لابد ان يكون التعليم منافسا يواكب أعلي درجات العلم في المجتمع المتقدم وينبغي ان يكون التعليم في بلدنا موضوعيا يتسم بالجدية والعصرية وان يكون ابناؤنا في كل مراحل التعليم لديهم الحرص الكامل علي بناء العقلية العلمية القادرة علي احداث تنمية حقيقية وتقدم حقيقي كما ينبغي الاهتمام الدائم بالتدريب لكل كوادر العاملين بالدولة حتي يقفوا علي كافة المستجدات والمتغيرات التي تموج بها الساحة الدولية والاقليمية من حولنا وحتي يكونوا أكثر قدرة وكفاءة علي الانتاج وتقديم الخدمات.
كما ان التنمية لها محور آخر علي درجة كبيرة من الأهمية وهي التنمية الثقافية ويقصد بها وجود درجة من الانسجام والقوانين بين الدين والأعراف والعادات والتقاليد وبين درجة التقدم التكنولوجي والأساليب الحديثة في الادارة التي تكفل اداء الخدمات في أقل وقت ممكن وبأعلي جودة ممكنة وبأقل تكاليف الأمر الذي يؤدي بالتأكيد إلي رضاء المواطنين عن الجهاز الاداري بالدولة.
ولا شك ان لدينا موروثات ثقافية كثيرة سلبية تؤثر علي معدلات الإنتاج ومستوي اداء الخدمات وآن الأوان ان نتخلص منها سريعا ومن ذلك التركيز الشديد للسكان علي مساحة 5% فقط من مساحة البلاد لأن ذلك أفرز جهازا اداريا شديد التركيز فأصبحنا نعاني من مركزية الحكومة وأصبح نقل الموظف من المدينة إلي الريف كارثة بالنسبة له نظرا لنقص الخدمات الرئيسية.. الأمر الذي فتح الباب علي مصراعيه للوساطة والمحسوبية.
كما ان لدينا موروث آخر يتمثل في تداول المشروبات بجميع انواعها اضافة إلي بعض المأكولات خلال فترات العمل الرسمية.. وهذا أمر شديد الغرابة لا نشاهده في أي بلد من بلدان العالم المتقدم حيث يقتصر الأمر علي منح الموظفين نصف ساعة راحة يتوجهون بعدها مباشرة من تلقاء نفسهم إلي أماكن عملهم.
كما ان احجام أحد كبار الموظفين عن تنفيذ بعض الخدمات لأولاد بلده لعدم مشروعيتها أو لوجود اشخاص أخري تستحق هذه الخدمات يعد انكارا وجحودا لهم من وجهة نظرهم اضافة إلي ان الخضوع التام والطاعة العمياء للرؤساء في العمل يعد أيضا كارثة بكل المقاييس والحقيقة ان من أهم أسبابه هو موروث طاعة الأب وكبير العائلة أو القبيلة ولا مانع من استمرار هذا الاحترام للرئيس ولكن لا تعارض بين هذا الأمر وبين السماح للمرءوسين بالشكوي والمناقشة والمقترحات واعطائهم الفرصة للتطوير والابداع واعتقد ان تنفيذ هذا الأمر يتطلب تدريب القيادات علي الاقتناع بهذه الثقافة لأنها تنعكس بالتأكيد بالايجاب علي المرءوسين وعلي معدلات الانتاج وعلي تطوير أساليب العمل والانتاجية.
وعلينا جميعا ان نقتنع ان لدينا تكدسا رهيبا في الجهاز الاداري بالدولة وهذه سلبية كبري لأن زيادة الاعداد علي المطلوب مشكلة مثلها تماما مثل نقص الاعداد بل تزيد عنها خطورة لأنها في الحقيقة تعد بطالة مقنعة وترهق ميزانية الدولة وتؤدي إلي تزاحم الموظفين بما يعوق الأداء وتنتشر بينهم الروح السلبية والصدامات المستمرة لأسباب شخصية بعيدة تماما عن العمل المنوط بهم انجازه.
وهذه رسالة إلي الجميع علينا الا نزيد هذه المشكلة خطورة وان يلجأ أبناؤنا إلي القطاع الخاص وإلي الالتحاق بالمشروعات الاقتصادية التي بدأت في الظهور مع بداية دوران عجلة التنمية بالبلاد وعلينا ان نهتم بالتعليم والتدريب المهني والفني وان ننظر إلي ابنائنا الذين يلتحقون بهذا النوع من التعليم نظرة تقدير واحترام لأنهم البناة الحقيقيون لبلدنا الحبيب.. وان نتخلص من الثقافة السائدة التي تنظر إليهم نظرة دونية تؤدي إلي سلبيات نلمسها جميعا في نفوسهم.
عزيزي القاري.. ان ادارة التنمية في بلدنا وان كانت صعبة نظرا لكثرة المشكلات وتعقيدها الا انها ليست أمرا مستحيلا إذا ما توافرت الارادة والاصرار وسوف أسرد لك نموذجا واحدا للنجاح لعلنا نستفيد منه وهو ماليزيا.
وماليزيا دولة آسيوية صغيرة مساحتها أقل من محافظة الوادي الجديد عدد سكانها 30 مليون نسمة وكانت مجتمعا زراعيا فقيرا يزرع الأرز والمطاط ومعدل الفقر فيها كان 70% ودخل الفرد السنوي 350 دولارا ومع بداية التغيير في عام 1991 انقلب الحال تماما بقيادة رئيس الوزراء مهاتير محمد الذي تمكن من وضع الخطط والسياسات والآليات لادارة التنمية في بلاده حيث ركز علي مبدأ المواطنة وعدم الصراع بين العرقيات الثلاث الموجودة بالبلاد ونقل تجربة اليابان في التكنولوجيا وجذب الاستثمارات واهتم للغاية بالتعليم والبحث العلمي والبعثات الخارجية.
وماذا كانت النتيجة في أقل من ربع قرن تراجع إلي 5% وارتفع مستوي الدخل السنوي للفرد إلي رقم مهول 18000 دولار وتحولت ماليزيا إلي قلعة صناعية كبيرة واصبحت دولة مصدرة وزاد معدل النمو إلي 7% وانخفضت نسبة البطالة هذه هي تجربة ماليزيا باختصار شديد.. فأين نحن منها ونحن نمتلك ثروة بشرية هائلة.. ونحن نمتلك موارد طبيعية يندر ان توجد في دولة أخري.
علينا جميعا ان نضع أيدينا علي مواضع الخلل وان نعترف جميعا بمسئوليتنا عن ذلك ولا نقتصر علي القاء اللوم علي غيرنا علي كل إنسان يراجع نفسه بأمانة وموضوعية ويبحث عن مواضع القوة والايجابية فيه ويستخدمها من أجمل الاسهام في تنمية بلده وتقدمه.
وللحديث بقية
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف