الوطن
د. محمود خليل
أزمة شخص.. أم ظرف؟
كاد العديد من التقارير الإخبارية أن يؤكد أن هشام رامز، المحافظ السابق للبنك المركزى، هو السبب المباشر فى رفع سعر الدولار أمام الجنيه المصرى، وأنه اتبع جملة سياسات ضايقت المستوردين والمصدّرين والشركات الأجنبية العاملة فى مصر، خصوصاً فيما يتعلق بتحويل العملة إلى الخارج، وعبّر أكثر هذه التقارير عن تفاؤلها باسم المحافظ الجديد «طارق عامر». التفاؤل مطلوب بالطبع، ونتمنى أن يُصلح المحافظ الجديد حال الجنيه، لكن التفاؤل لا يعنى عدم القراءة الموضوعية لهذا الحدث الذى سيطر على اهتمام الكثيرين خلال الأيام الماضية.

والموضوعية تقتضى ألا نعلق طوق الأزمة الدولارية فى رقبة «رامز»، فكما هو معروف هناك مجموعة من العوامل التى تضافرت فيما بينها وأدت إلى هذه الأزمة، أبرزها عجز الحكومة عن جلب استثمارات أجنبية، رغم ما أنفقته على مؤتمر شرم الشيخ، بالإضافة إلى التصريحات المتوترة لعدد من المسئولين الاقتصاديين عن ضرورة خفض سعر الجنيه، والتى تسببت فى إشعال السوق السوداء للدولار، كما ذكر هشام رامز أيضاً أن عوامل أخرى عديدة استنزفت الاحتياطى الدولارى، كان من بينها توفير احتياجات الدولة من العملة الصعبة لإنفاذ المشروع القومى لحفر التفريعة الجديدة لقناة السويس، يضاف إلى ذلك بالطبع حالة الوهن التى أصابت العديد من مصادر مصر للحصول على الدولار، وعلى رأسها السياحة. كل هذه العوامل الموضوعية مجتمعة ساهمت فى تفاقم أزمة الدولار، ربما كانت السياسات النقدية لهشام رامز ضمن هذه العوامل، لكنها ليست بالطبع العامل الوحيد.

ولكى أكون أكثر صراحة، فالسياسة النقدية وأمور العملة داخل البلاد هى من الأمور السيادية شديدة الحساسية التى لا بد أن يخضع أى قرار متعلق بها لمراجعة القيادة السياسية، أو لتوجيهات مباشرة منها. وقد تواترت أحاديث خفض الجنيه أمام الدولار على لسان العديد من وزراء المجموعة الاقتصادية أيام حكومة «محلب»، ولم يكن لتصريحاتهم التى ألهبت السوق السوداء للدولار أثر يُذكر على اختيارهم كأعضاء فى الحكومة الجديدة، وهو أمر قد يُفهم منه أن هذه التصريحات لم تُغضب القيادة. وتأسيساً على ذلك ليس من السهل أن نتوقع أن يؤدى اختيار محافظ جديد للبنك المركزى إلى حل مشكلة الدولار، لأن المسألة ترتبط بأمور تخرج عن نطاق سيطرته، ولو كانت المسألة ترتبط بمحافظ يرى البعض أنه اتخذ قرار رفع السعر من عندياته لكان حل المسألة سهلاً للغاية، إذ ليس على المحافظ الجديد سوى أن يتخذ قراراً بزيادة سعر الجنيه أمام الدولار بعشرة قروش، فى عشرة قروش، وهو أمر يمكن وصفه بـ«الخيال المحض»!

أخشى أن يفهم البعض من الطريقة التى تم بها إخراج موضوع استقالة «رامز» وتعيين «عامر» أن السلطة ما زالت تؤدى بشكل قديم، وتجتهد فى تقديم «كبش فداء» للتعبير عن إحساسها بالغضب، أو لمواجهة حالة من الإحباط لدى الرأى العام، تولدت عن القفزات المتلاحقة لسعر الدولار أمام الجنيه، والتى تعاصر آخرها مع المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية. عموماً الأيام المقبلة هى الكفيلة بالحكم على أزمة الدولار والإجابة عن سؤال: هل كانت أزمة شخص، أم أنها بالأساس تعبير عن أزمة ظرف؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف