كل الأسباب التي قيلت لتبرير ضعف المشاركة الشعبية في الانتخابات صحيحة بدرجة أو بأخري.. لكن أصح هذه الأسباب جميعا في تقديري هو غياب المنافسة السياسية الحقيقية بين الأحزاب والتيارات الموجودة علي الساحة.. وهذه المنافسة هي التي تبث الحماس في الجماهير وتولد الحراك الشعبي فيتسابق الناخبون إلي صناديق الاقتراع لمناصرة مرشحيهم.
والمسئول عن غياب المنافسة السياسية هي الأحزاب في المقام الأول.. وبالذات الأحزاب التي تقول عن نفسها أنها ¢تاريخية¢ ثم تثبت في كل اختبار أنها مجرد ظاهرة صوتية لا تجيد غير إطلاق التصريحات وإجراء المداخلات التليفزيونية.. لكنها غير موجودة علي الأرض.. وغير قادرة علي جذب الجماهير.. وبالتالي فهي غير قادرة علي تأسيس حياة سياسية وديمقراطية صحيحة.
أخص بالذكر هنا أحزابا مثل الوفد والتجمع والناصري وصولا إلي النور والجيل والغد والتيار الشعبي وتيار الاستقلال وما شابه ذلك.. كل هذه الأحزاب والتيارات خدعتنا طويلا بأنها مدعومة جماهيريا ولديها قدرة فائقة علي الحشد.. ومرة بعد أخري يتأكد أن ادعاءاتها كاذبة.. وأنها بعيدة جدا عن نبض الجماهير.
المستثني الوحيد من هذه الأحزاب القديمة هو الحزب الوطني الذي أثبت أعضاؤه أنهم قادرون علي الترشح والفوز في الانتخابات.. ليس بسبب تماسك البنيان السياسي والأيديولوجي لحزبهم.. وإنما لأن الحزب بطبيعته لايشكل توجها سياسيا محددا وإنما يعبر عن جماعات مصالح وعصبيات قبلية وعائلية قادرة علي تقديم خدمات للمواطنين وقادرة في الوقت ذاته علي الالتحاق بالسلطة أيا كانت أيديولوجيتها.. فهو حزب السلطة القادر علي التكيف معها تحت أي مسمي.
لقد كشفت نتائج المرحلة الأولي للانتخابات سقوط - أو وفاة - الأحزاب القديمة.. وقد يكون السبب في ذلك أن الذين يتولون أمر هذه الأحزاب أرادوا أن يلعبوا علي وتر المصلحة ووتر السياسة في وقت واحد ففشلوا فشلا ذريعا في السياسة ولم يحققوا ما حلموا به في المصلحة بشكل كامل.. ولعلنا نتذكر أن هذه الأحزاب كانت دائما ترتعد من الصندوق عند كل استحقاق انتخابي حقيقي.. وكان مطلبها الأول دائما تأجيل الانتخابات حتي تكمل استعدادها لأنها غير جاهزة.. رغم أنها تدعي لنفسها شعبية جارفة.. وبعضها - مثل الوفد - يتردد اسمه علي الساحة السياسية منذ ما يزيد علي 90 عاما.. وبعضها الآخر - مثل التجمع - يتردد اسمه منذ 40 عاما.
الغريب أن هناك قيادات حزبية مازالت تتحدث عن الحصار الذي تعرضت له والحرب التي شنت عليها.. وأدت في النهاية إلي سقوطها المدوي.. وهي نفس النغمة التي سمعناها في كل الانتخابات السابقة لتبرير الفشل... وإذا كان الحصار صحيحا والحرب حقيقية فلماذا استمرت الأحزاب في الانتخابات حتي النهاية.
يقول ناجي الشهابي رئيس حزب الجيل وعضو المجلس الرئاسي لائتلاف الجبهة المصرية إن نتائج انتخابات المرحلة الأولي لم تعبر عن الواقع الموجود في الشارع المصري.. ولا عن وزن تيار الاستقلال والجبهة المصرية لدي المواطنين.. فرغم غيابنا عن فترة الدعاية ورغم أنه لم يسمح لنا بعمل دعاية مثل الباقين.. ورغم انسحاب عدد كبير من أعضاء القائمة إلا أننا حصلنا علي المركز الثاني.
والسؤال الآن يا أستاذ ناجي.. ما هو وزنكم الحقيقي في الشارع المصري؟
إن محنتنا الحقيقية تكمن أساسا في أن النخبة السياسية بلا قضية.. ومازالت قادرة علي أن تخدعنا وتخدع نفسها حتي تظل في الصدارة.. ومن ثم فهي قانعة وراضية بأحزاب ضعيفة هشة.. ومادامت الأحزاب ضعيفة وانتهازية فلن تقوم في مصر حياة سياسية وديمقراطية صحيحة.