تعلو وجوهنا جميعاً ابتسامة خبيثة وتلمع عيوننا وتتحفز أرواحنا لاهثة وراء جملة تتكرر يومياً عبر جميع مواقع التواصل الاجتماعى: (انظر شكل الممثلة فلانة والمطربة علانة قبل وبعد عمليات التجميل).
وبالفعل يكون الاختلاف كبيراً حد تغير الشكل، ولكن أيقتصر الأمر على النجوم والمشاهير؟! بالتأكيد لا، فقد أصبح الآن لكل عائلة طبيب تجميلها الخاص أو لكل مجموعة صديقات مستشارها التجميلى الموثوق من قدراته وإبداعاته، فبات الأمر هوساً وجنوناً محموماً، بغية الوصول إلى ذروة الجمال وقمة الدلال.
ونتيجة لهذه الصيحة والصرخة التى قلبت الكون، شارك أطباء التجميل فى عملهم أناس آخرون كمراكز التجميل والعناية بالبشرة مستخدمين أدوات التزيين الدائمة (الماكياج الدائم) أو نفخ الوجنات أو ملء التجاعيد بتلك الحقن الكثيرة الوفيرة، فترى النساء بين أيدى خبراء وملوك التجميل من كل الأعمار والفئات والجنسيات، ولكنهن فى النهاية يخرجن متشابهات، متطابقات، كأنهن أقارب أو أخوات، فإن كانت صيحة الحاجب غليظاً، رأيت الكرة الأرضية بنفس الحجم والعرض والرسم وإن كانت الشفاه ممتلئة كانت جميع شفاه الكوكب بذات الشكل المشوه، وكأنهن قد ارتطمن تواً بحائط ما!!! ومع الوقت نسينا أساس العمل التجميلى، أيام أن كان يقتصر على علاج التشوهات وآثار الحوادث والحروق.
بدأت عمليات التجميل أيام الفراعنة والهنود الأوائل والإغريق وتطورت عبر العصور، ومنذ تلك الأيام السحيقة كان من يجرى هذه العمليات لا يصرح بها أبداً، إلى أن بدأت المكاشفة بها حديثاً خلال القرن الماضى على لسان نجوم الفن متباهين بإجرائها، واستمر التباهى حتى باتت مباراة تنافسية شرسة، فبدت ذات الستين عاماً كأنها فى الواحد والعشرين من العمر، وأصبحت المرأة رجلاً والرجل تحول إلى امرأة باهرة الجمال (يمتهن بعضهن الرقص الشرقى لاستعراض معالم أنوثتهن الصارخة)!! وبهذا وصل عالم التجميل إلى قمة جنونه ومجونه، فخرج من أطره المعقولة أو المحتملة إلى حدود السخف والخبل والخروج على العادات والديانات.
وسواء كان التجميل ضرورة صحية لحفظ حياة البشر، أم كان تكميلاً ولأجزاء الجسم تنقيلاً، فقد لزم التأكد من أمور ضرورية كى لا يتحول الحلم الوردى إلى كابوس أو كارثة حمراء بلون الدم.
وجب التأكد من الجراح وسجله الطبى ونظافة وتعقيم مكان إجراء العملية ومدى تجهيزه بالمستلزمات وأجهزة الإفاقة وعمل الفحوصات الطبية اللازمة على المريض للتأكد من استعداده لإجراء ذاك النوع من العمليات وعدم وجود موانع صحية لديه، رابعاً يجب خفض سقف التوقعات والطموح فى النتائج، لأن مفاجآت هذا النوع من العمليات كبيرة وكثيرة.
وأخيراً: يجب عدم المبالغة فى استخدام هذه الجراحات التكميلية، لأنه بتكرارها والمبالغة بها يتحول صاحبها إلى مسخ بلاستيكى جامد، ذى تعبيرات زجاجية خالية من الروح والإحساس، إذ إن للتجاعيد سحرها ولخصلات الشعر الأبيض جمالها، فمع كل كسرة فى البشرة هناك خبرة مكتسبة وعمر انقضى، وعمل أنجز، وحياة عيشت وتبلورت ونضجت، فحذار أن يأتى مشرط الجراح على هذه المعانى الدقيقة، فيتحول التجميل من التعديل إلى التنكيل.