الجمهورية
ثناء حامد
المستقبل بين نعومة أظافرهم
دعني أري ماذا تلقنون أطفالكم.. لكي أحكم علي مستقبل هذه الأمة.. عبارة أثيرة لقلبي وعقلي وتحققت بجميع أشكالها أمام عيني ولكن التجربة أهم من العبارات الأثيرة لأنها تقربك من واقع ملموس.
فمنذ عشرين عاما مضت.. وبالتحديد أثناء إقامتي في باريس لظروف عمل زوجي.. التحق أبنائي بإحدي المدارس الحكومية وقتها كان الأكبر في الصف الأول الابتدائي والاصغر في رياض أطفال.. كان اليوم الدراسي يوماً كاملاً من الثامنة صباحا حتي الخامسة.. وعلي سبيل المتابعة تعرفت بمدرسات أبنائي وفوجئت ان مدرسة ابني الاكبر طالبة في الدكتوراه بجامعة السوربون ولأن الرسالة العلمية كانت منصبه علي اطفال المدارس دون سن العاشرة فتقدمت إلي المدرسة لتأخذ فصل تقوم بالتدريس فيه ليصبح واقعاً عملياً يترجم بصيغة علمية في رسالتها.
وفي إحدي مناقشتي مع "آن" أكدت أول فقرة من المقال.. وقالت نحن نصنع مستقبل فرنسا في هؤلاء الصغار ووفقا لما نعلمه لهم ونكسبهم خبرات سيكون مستقبل البلد.. لهذا اتعمد ان اركن الكتب والاقلام والواجبات العقيمة واتجه للأنشطة اليدوية والرسم والتفاعل الاجتماعي من خلال قيام الاطفال بتحضير وجبتي الافطار والغذاء بأنفسهم.
وصمتت.. ونظرت إلي ابني وقالت.. يعتبر العنصر الفعال النشيط جدا.. انا لم اكن أعلم أن المصريين لديهم هذه النعمة في أولادهم فمستوي ذكائه مرتفع جدا.. اجتماعي بدرجة مذهلة.. لدرجة انني كل ساعة اقوم بتصويره اثناء المشاركة سواء في اليوم المخصص له لتحضير الفطار او في يوم زميل له فهو وبمبادرة شخصية منه يشارك ويمتلك روحاً مرحة وهو يؤدي أي مشاركة.. اتمني ان تحافظوا عليه كما هو أمامي.. لان مصر ستصبح الدولة الأولي في العالم لو كان أطفالها مثل هذا النموذج الحي رغم انه من بيئة مختلفة عن بيئة بلده.. ويعتبر غريباً.. ولكنه نموذج تطبيقي رائع.
أما باسكال مدرسة الصغير اكتشفت فيه وبعد شهر واحد في فصل رياض الاطفال ان الولد موهوب موسيقيا ويملك روح فنان بالاضافة إلي إحساس بالاستقلالية.. وخاصة ان الدراسة كانت تعتمد علي الرسم بجميع الادوات.. فما من مرة إلا وخرج عن المألوف ليرسم بطريقته.. وفي كل مرة اقابلها كانت توصي بالحفاظ علي روح الفنان داخل الولد وألا اكسر شخصيته بكثرة الأوامر.
هؤلاء كنَّ مدرسات مدرسة حكومية في باريس وكأنهمن في جامعة.. فالتعامل مع الطفل يتم بصورة علمية مع احترام كامل الشخصية وسماته النفسية.. وكأنهن يتعاملن مع رجال ناضجين.
ودارت الأيام ورجعنا مصر وفي أرقي المدارس اكمل الولدان دراستهما حتي الثانوية العامة ومع مرور الايام اختفت كثير من السطور التي تمت صياغتها ليصاب الابن الاكبر باكتئاب لأن قدراته النفسية أعلي كثيرا من اقرانه وذكاؤه دفعه لمزيد من الثقافة العميقة وكانت النهاية انني فقدته للابد لينتقل إلي جوار ربه وهو في بداية العشرينات لأتجرع مرارة الفراق وقسوة النهايات.. واسأل هل تركيبة المجتمع والتعليم وعلاقة هيئة التدريس في مراحل نمو المراهق هي التي دفعتنا إلي هذه النهاية.. أم أن غياب الدور نهائيا الذي تلعبه المدرسة كان سببا مباشرا فيما حدث وفيما سيحدث.. انقذوا التعليم في مصر.. فليس المهم ان تكون المدرسة أمريكية أو انجليزية والجامعة خاصة.. ولكن المهم تلقين الطفل مفاهيم صحيحة تكبر معه وتنمو بنموه.. المهم أن تكون البيئة المحيطة بالنشء بيئة صحية تساعد علي نمو الذكاء والقدرات.. فأقصي شيء موجع في الحياة أن تكون اذكي ممن يتولون تعليمك.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف