الصباح
كمال حبيب
السلفيون أسقطوا حزب النور فى الانتخابات!
>>أسباب السقوط: تخلى الحزب عن مشروعه وضم الأقباط والانشقاقات المبكرة
>>ليس سهلً أن يغادر الحزب المشهد السياسى ويتخلى عن الأضواء مع أول لطمة فى الانتخابات
>>هزيمة النور فى 2015 أقوى تأثيرًا من فوزه غير المتوقع فى 2011

خرج حزب النور من السباق الانتخابى فى المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية المصرية صفر اليدين، فلم يفز له ولا مرشح واحد، وهو ما مثل صدمة للحزب الذى كان قد صرح بعض قيادييه بأن الحزب سيحصل على ثلثى مقاعد البرلمان فى تلك الانتخابات، وهو ما أثار مخاوف لدى منافسى الحزب الذى تعرض لحملة قوية من قوى مدنية بعنوان «لا للأحزاب الدينية»، طالبت فيه بحذف الحزب من المشهد السياسى باعتباره حزبًا دينيًا وليس سياسيًا، ورغم أن الحزب صرح بأنه لا يأبه لتلك الحملة إلا أنها هزت قدرته على التركيز والإعداد لحملاته الانتخابية
لم يواجه الحزب فقط حملات من قوى مدنية كارهة لوجوده فى المشهد السياسى، وإنما هاجمته قوى معادية له من داخل التيار الإسلامى، خاصة الإخوان المسلمين وحلفائهم الذين اعتبروا الحزب قد خان الله والرسول والحركة الإسلامية بمشاركته فى مشهد 3 يوليو الذى دعم عزل الرئيس الإخوانى المنتخب محمد مرسى وجماعته من المشهد السياسى.
شارك سلفيون يعرفون بالسلفيين الهادئين ويقودهم أحمد النقيب، وهو سلفى ينتمى لمحافظة الدقهلية الهجوم على حزب النور الذى اتخذ من المسار السياسى طريقًا له، واعتبر أن طريق التربية والتزكية والتخلية والتحلية هى السبيل الصحيح للتغيير، بعيدًا عن مناهج السياسة المعوجة وفق ما يذهب هؤلاء السلفيون الذين يصمون حزب النور بالسلفيين الديمقراطيين.
الهزيمة غير المتوقعة التى منى بها الحزب فى انتخابات 2015 هى أقوى فى تأثيرها من الفوز غير المتوقع له فى انتخابات 2011، والتى حصل فيها الحزب على 112مقعدًا بنسبة 23 فى المائة وجاء فى المرتبة الثانية بعد حزب الإخوان المسلمين الحرية والعدالة، والذى كان حصل على 222 مقعدًا بنسبة 43 فى المائة وهو ما جعل التيار الإسلامى يسيطر على البرلمان بنسبة تقرب من 70 فى المائة.
تعرض الحزب لهزيمة ثقيلة فى معاقله، المعروف بوجوده الكبير فيها مثل الإسكندرية ومطروح والبحيرة، كما لم يفز له أى مرشح فى الجيزة والأقصر وسوهاج والمنيا وأسوان، ورغم أن الحزب سيدخل جولة الإعادة بـ22 مرشحًا إلا أنه فيما يبدو لن يستطيع تحقيق نتائج تعوضه عن خسارته الكبيرة، بل إنه ينتظر فى جولة الإعادة والجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية مزيدًا من الخسائر، فقد كان الحزب يعتقد أنه يمكنه تحقيق نتائج جيدة فى الجولة الأولى، بينما لن تكون حظوظه فى الجولة الثانية أوفر حظًا إذ تضمنت الجولة الأولى المحافظات التى كان للحزب تواجد كبير معروف له وجمهور عريض من المؤيدين.
يفكر فريق من الحزب فى عدم خوض الجولة الثانية من الانتخابات بعد الهزيمة الثقيلة التى تعرض لها، كما يدرس رئيسه يونس مخيون الاستقالة من رئاسة الحزب، ويواجه الحزب ما يمكن أن نصفه بـ «أزمة العودة إلى البدايات الأولى» بمعنى أن السؤال المصيرى المتعلق بمصير الحزب يطرح نفسه الآن وهو هل يبقى الحزب مستمرًا معاندًا فى اللعبة السياسية كحزب سياسى محاط بقدر كبير من الشكوك حوله من الدولة، ومن القوى السياسية والاجتماعية، أم يعود إلى أدراجه الأولى منصرفًا إلى مساجده ومعاهده العلمية ومدارسة العلم ونشر الأخلاق فى المجتمع والعودة إلى سلفية المناطق والأحياء والجهات، وليس سلفية الدولة والأحزاب ومواجهة المجتمع كله متعرضًا لنقد مسالكه ومساربه وعارضًا حيواته الخاصة المستورة إلى التداول العام؟
هذا هوالسؤال القلق الذى يواجهه الحزب الآن، ورغم أن قيادات الحزب تحدثت عن أنهم ينتظرون قرار الجمعية العمومية للحزب ومجلسه الرئاسى، وأنهم سيلتزمون بقرار الأغلبية فإن الراجح أن قرار الحزب لم يحسم بعد باتجاه الإجابة النهائية على السؤال القلق الذى طرحناه آنفا، وأن الاتجاه الراجح للحزب أنه سيبقى محاولًا داخل الحالة السياسية حتى لو تحول لحزب صغير يملك فقط بضع نواب فى البرلمان، لأنه ليس سهلًا أن يقرر الحزب مع أول لطمة يتلقاها الخروج من المشهد السياسى والعودة للدعوة، فالحضور إلى جوار السلطة ومطالعة أحوالها بعدد صغير أفضل من مغادرة المشهد نهائيًا، والتحول لما أشرت إليه الانعزال فى الأحياء والمناطق والجهات بعيدًا عن المسرح الكبير ذى الأضواء اللامعة الجاذبة التى لا يمكن لمن ذاقها أن يغادرها بسهولة ويسر.
لكن يبقى السؤال لماذا تعرض الحزب لهزيمة ساحقة وغير متوقعة ؟ ولماذا كانت لديه توقعات بأفضل مما جناه ؟
أشرنا لبعض ما قد يمثل أسبابًا لهزيمة الحزب بيد إن هناك مجموعة أخرى جوهرية من الأسباب أهمها فى تقديرى:
تخلى الحزب بسهولة عن مشروعه الجوهرى والرئيسى وهو العمل على تطبيق الشريعة الإسلامية، ففى إشارة إلى برنامجه الانتخابى قال قياديوه إنهم لن يضمنوا البرنامج هدف تطبيق الشريعة الإسلامية، وإذاغاب هدف تطبيق الشريعة عن برنامج الحزب، فلماذا يتجه جمهور الحزب السلفى المولع بالشريعة الإسلامية للتصويت له، بل إن برنامج الحزب تحدث عن قضايا اجتماعية واقتصادية ذات طابع مدنى وهو ما يجعل الحزب من منظور التيار السلفى والجمهور الذى يصوت له غير مستحق للتوجه للتصويت من أجله.
فى حوارات متعددة لرئيس الحزب تحدث عن مسألة الدستور والقانون والتزام الحزب بهما ففى حديثه مثلا عن ترشح أقباط على قوائم الحزب ذكر أن القانون يطلب ذلك ولو لم يكن القانون يحتم ذلك، فما كنا فعلنا، أى إحلال فكرة القانون والدستور كمرجعية حاكمة فى خطاب قيادات الحزب جعلت منه حزبًا ذات طابع مدنى فى التصور السلفى لجمهور الناخبين الذين لا يفهمون سوى مسألة الشريعة الإسلامية ويرون القوانين والدساتير مرتبطة بالتطور القانونى الذى أبعد الشريعة عن الحياة والوجود.
فكرة وجود منافس للحزب حتى لو كان إسلاميًا حفزت السلفيين على التحرك من أجل تصور لفهم الشريعة يرونه أحق بالوجود، ومن هنا كانت المنافسة السلفية – الإخوانية على أشدها فى انتخابات برلمان 2011، بينما عجز حزب النور عن أن يقدم لجمهوره منافسين له يحفزهم لخوض المنافسة من أجل التصويت له، صحيح أنه حاول أن يقدم حزب المصريين الأحرار لكنه لم ينجح فى بلورة حضوره كمنافس له، كما أن الحديث عن كتلة تصويت قبطية حفزت بعض القطاعات السلفية فى انتخابات برلمان 2011 بينما لم يستطع الحزب أن يقدم ما يعتبره تهديدًا من جانب تلك الكتلة للحزب السلفى، خاصة وأن الحزب نفسه من منظور جمهوره قد ضمن قائمته أقباطا، وهم يمثلون الآخر فى الوعى السلفى بدرجة ما فإذا أنت حولت هذا الآخر إلى جزء منك فما الفرق إذن ؟ لا يوجد محفز يحرك السلفى نحو تأييد الحزب إذا كان الحزب قد فقد تميزه.
حزب النور لا يزال حزبًا حديثًا وبنيته الحزبية لا تزال هشة، وقد تعرض الحزب لانشقاق مؤثر على بنيته وأعضائه بخروج حزب الوطن وعماد عبد الغفور الذى كان قد أسس الحزب سابقًا، ولا نعرف للحزب بنية تنظيمية قوية سوى بعض المؤسسات، وتبدو الدعوة السلفية التى لا يوجد بينها وبين الحزب حدود فاصلة هى الأقوى، بينما الحزب كبنية تنظيمية هى بنية ضعيفة وليس لديه التنظيم القوى كما هو الحال بالنسبة للإخوان، وقد اختفى الحضور التنظيمى للحزب فى الدعاية أو فى مقار التصويت، كما أن جمهورًا كبيرًا من مناصرى الحزب قد غادروه خاصة فى الجيزة والصعيد، بسبب ما اعتبروه مواقفًا ممالئة للسلطة ومخالفة للخط السلفى.
سيظل حزب النور فى تقديرنا رقمًا موجودًا فى المعادلة السياسية لن يغادرها، والدولة تريده موجودًا ولكن بقدر لا يزيد عليه، ويبدو أن الدولة والتفاوض معها لعب دورًا فى خداع حزب النور وإقناعه بالدخول، وأن الدولة ستكون من وراءه بينما بدا ذلك فخًا له بحيث تفضل الدولة أن يكون قراره بالاعتزال من خلاله هو وليس من خلال إجراءات تتخذها مؤسسات الدولة وفى كل الأحوال فإن الدولة تحتاج إلى فصيل إسلامى إلى جوارها، ولكن فى الحدود التى تريدها هى والحد المفاجئ للدولة والحزب والمراقبين الذى حققه حزب النور سيكون مريحًا لها، بحيث تقبل بوجوده المريح الذى لا يمثل إرباكا أو تهديدًا أو قلقًا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف