ترى لماذا قاطع الشعب الانتخابات البرلمانية فى مرحلتها الأولى، ولم تتعد نسبة حضوره 4 فى المائة على أحسن تقدير ؟ لقد تعددت القراءات والتحليلات؛ وكان أكثرها زيفًا تلك التى حاولت أن تخترع لها أسبابًا غير حقيقية من عينة أنها تعبير عن موقف شعبى جديد من الرئيس السيسى وحكمه !!. الواقع يقول غير ذلك، ودعونا نجيب عن سؤال الساعة بالآتى:
أولًا : قاطع - وسيقاطع - الناس هذه الانتخابات ليس حبًا أو استجابة لدعوة الإخوان وبعض القوى السياسية للمقاطعة، إذ أن هؤلاء انتهى فعليًا تأثيرهم على الشارع ولمدة عشر سنوات مقبلة، وسيظل منحصرًا فى الأعضاء فقط من أبناء هذه الجماعة البائسة التى تعيش فى عالم افتراضى من صنعها، ولا تريد أن تغادره منذ 30/6/2013.
ثانيًا: إن المقاطعة كانت موقفًا جماعيًا أقرب للعصيان المدنى ضد تحالف غير مقدس مكون من (رجال أعمال وإعلاميين وسياسيين فاسدين + بقايا نظام مبارك + سلفية وهابية تخاصم الحياة والدين)، لقد أدرك الشعب أن هذا الثالوث بإعلامه وسياسييه ضد مصالح الوطن، وأحلام الفقراء، وإن تحدث لغتهم، لقد أدرك الناس أن هذا التحالف ضد (السيسى) نفسه وضد ثورته فى 30/6/2013، فخاصم الوسيلة (الانتخابات البرلمانية) التى ستوصل الخصوم إلى (الغاية) منصة المشاركة فى الحكم عبر امتلاك البرلمان، وفى التنغيص على حياة الناس وأحلامهم، قاطع الشعب المنافقين والأفاقين الذين يأكلون على كل الموائد والعصور، وأراد أن يرسل لهم رسالة واضحة لا لبس فيها: أنكم مكروهون شعبيًا ولذا لن ننزل ولن نشارك فى انتخاباتكم التى لا تقل سوءًا عن انتخابات الحزب الوطنى وجماعة الإخوان ؟.
ثالثًا: قاطع الشعب - وسيقاطع - هذه الانتخابات لأن أحزابها الرئيسة مصنوعة بالمال والإعلام وليس بالبشر العاديين فى القرى والمدن والأحياء الفقيرة، ولأن نخبتها الإعلامية والسياسية صنعها الضجيج الإعلامى وبرامج التوك شو، وليس التواجد الحقيقى وسط الناس، فأراد الشعب أن يصفعهم جميعًا وفى صمت بليغ، فجلس على الكنبة ولم ينزل ولم يشارك !.
رابعًا: لم يكن الرئيس السيسى هو المقصود بهذه المقاطعة كما يدعى من فى قلبه هوى أو مرض؛ صحيح حاول الرئيس أن يحفز الناس على النزول عبر خطاب متلفز عشية اليوم الأول للانتخابات، مستندًا إلى حب الناس له (وهو حب حقيقى بالمناسبة)، إلا أن الناس لم تذهب ليس رفضًا لخطاب السيسى، ولكن - كما أظن وليس كل الظن إثم - استجابة غير مباشرة لهذا الخطاب، حيث رأى الناس أن أفضل موقف لتأييد السيسى وإثبات الولاء له ولخياره الوطنى فى مقاومة الإرهاب والفساد والفلول، هو عدم دعم قوائمهم وأحزابهم وأفرادهم فى الانتخابات.
وهنا قد يذهب البعض إلى القول بأن الرئيس قد استعجل فى إلقاء كلمته ودعوة الناس للذهاب وهو - كرجل مخابرات سابق - يعلم أن الناس قد ضجت من هؤلاء المنافقين الذين يلتفون حوله ويدعون أنهم يمثلون قائمة الرئيس، ولكن الرجل - فى ظنى - كان يقوم بدوره كرئيس لدولة كبرى على أبواب استحقاق ثالث مهم من استحقاقات خارطة المستقبل، وأنه هنا ورغم علمه برغبة الشعب فى تأديب المنافقين والأفاقين الذين يلتفون حول الرئيس، على الرغم منه ودون رغبة لديه فى وجودهم، إلا أن الرئيس أراد أن يتجاوز ويعلو فوق الخلافات، وأن يدعو الناس للمشاركة لعل الأمور تتحسن للأفضل.
أخيرًا: إن الشعب الذى لم يذهب لهذه الانتخابات يريد من الرئيس وبصراحة أن يمضى فى مساره الوطنى والإصلاحى بعيدًا عما سيسببه له (برلمان الفلول والسلفيين) القادم من منغصات، وأن يضرب بيد من حديد على فساد الحكم السابق، وعلى سياساته، وأن ينتقل وبقوة إلى مربع الناس الغلابة فلا يرفع أسعارًا ولا يستدين ولا يهادن العدو الأمريكى والصهيونى، وأن يتحول فعليًا وبأسرع وقت إلى خيار الاستقلال الوطنى والحرية، ذلك الخيار الذى رفعته ثورتا 25 يناير و30 يونيو، عاليًا، ولايزال بحاجة إلى تطبيق على الأرض.
* إن الرسالة الانتخابية تقول لمن يريد أن يفهم أن الناس قد عاقبت برلمان (الفلول) الجديد بطريقتهم، فقاطعوه، ولم يقاطعوا الرئيس وخياره الوطنى، بل دعموه بطريقتهم، وأن للسيسى أن يلتقط الإشارة، ويمضى فى طريق الاستقلال الوطنى الحقيقى، فهل يفعل ؟