الكورة والملاعب
عبد الرحمن فهمى
حينما أكل حارس المرمي حذاءه
أحمد الحصيوي.. عطاء بلا حدود لناديه الأولمبي. لاعباً فذاً. ومدرباً من أكفأ المدربين. يتميز بذكاء خارق طوال عمره منذ أن كان طفلاً صغيراً إلي أن فارق الحياة الدنيا مبكياً عليه من أبنائه وتلاميذه ومحبيه.. يحكي عنه الكثير من النوادر.. تقتطف منها اليسير:
* أعطته أمه ثلاثة تعريفة وطلبت منه أن يذهب للميدان ليشتري أقتين سمك بلطي. فاشتري السمك وعاد به. إلا أن أمه وبخته لأن السمك "منتن".. وطلبت منه ارجاعه للبائع. وإحضار الثلاثة تعريفة.
فعاد لإرجاع السمك. إلا أن البائع زجره ووبخه.. وشخط فيه ليمشي بعيداً عن عربة السمك. فجلس الحصيوي علي الرصيف المقابل لعربة السمك. وكلما يحضر أي مشتري ويتفق مع البائع علي كل شيء. ويبدأ البائع في تعبئة السمك في كيس لكي يزنه. يتقدم الحصيوي وهو طفل صغير في الثانية عشرة من عمره من البائع ويقول له أمام المشتري:
أمي بتقول لك السمك ده قديم ومنتن خده وهات الثلاثة تعريفة!!
طبعاً المشتري يسمع هذا الكلام فيمسك السمك ويشمه يجده فعلاً قديم. فيترك العربة دون أن يشتري. ويتنرفز البائع ويسب الطفل العفريت وينهره ويطرده بعيداً. فيأخذ مكانه من جديد علي الرصيف المقابل.. وتتكرر نفس الحكاية مع كل مشتر جديد.
وبعد مضي ساعة من الزمن.. ناداه البائع وسأله:
- هو انت دفعت كام؟!
- ثلاثة تعريفة!
- طب خد نصف فرنك.. بس امشي من هنا وأوعي تيجي ثاني.
- طيب خد السمك بتاعك ياعم.
- وخد السمك كمان.. بس ابعد من هنا وقفت حالي الله يوقف نموك!
***
* زامل المرحوم الحصيوي الكابتن حافظ بيظا. وفي مباراة علي ملعب البلدية "استاد الاسكندرية" وقع بيظا. وانكسرت ساقه. فنقل إلي مستشفي المواساة. حيث تم وضع الجبس اللازم.. وبعد انتهاء المباراة اشتري الحصيوي "خيزرانة" طولها متر. وذهب لزيارة زميله بيظا بالمستشفي فوجده ممدداً علي السرير ورجله في الجبس.. فقال له:
"وقعت ياجلخ" وهات ياضرب.. وهات ياصريخ: "الحقوني.. الحقوني".
وتمر سنة.. ويقع الحصيوي في نفس الملعب. وتكسر ساقه. ويذهب إلي مستشفي المواساة. وقبل أن توضع ساقه في الجبس يطلب الحصيوي من شقيقه أن يشتري له أطول "خيزرانة" في ميدان المنشية طولها علي الأقل متران.. وتمت العملية. وتمدد الحصيوي علي السرير وساقاه معلقة إلي أعلا. وأخذ الخيزرانة من شقيقه وأخفاها تحت الغطاء.
ثم حدث ما توقعه الحصيوي.. حضر حافظ بيظا لزيارته. وما أن دخل الحجرة حتي خلع طربوشه. ثم خلع جاكته. ثم ثني كمي القميص. ثم أخرج من تحت البنطلون عصا صغيرة طولها أقل من نصف متر. وما أن اقترب من الحصيوي قائلاً له بتريقة:
- أنا جيت بس اطمئن وأرد لك الجميل.
ففوجيء بالحصيوي يسحب من جانبه خيزرانة طويلة وهات ياضرب في بيظا الذي صرخ وجري خارج الحجرة.. وجاءت التمورجية فقال لهم:
- هاتوا لي الطربوش والجاكتة من جوه!!
كانت عصا الحصيوي أطول من خيزرانة بيظا أربع مرات. فاستطاع الحصيوي أن يضربه قبل أن يقترب منه!!
حافظ بيظا أطال الله عمره - يبلغ من العمر الآن وأنا أكتب في مارس 1991 - يبلغ 91 عاماً فهو من مواليد ..1900 ولايزال محتفظاً بصحته مثل زميليه أحمد منصور وهو أكبر منه بعام "92 عاماً" والتيحي وهو أصغر منه بثلاثة أعوام "88 عاماً" والثلاثة كانوا من لاعبي كرة القدم الكبار ويتمتعون بالصحة الكاملة حتي كتابتي لهذه السطور "مارس 1991".
* كبر الحصيوي وأصبح مدرباً من أكفأ المدربين المصريين.. وقد غاظه أحد حراس المرمي بالنادي الأولمبي السكندري. كان دون المستوي. تدخل فيه أهداف سهلة للغاية. وكان الحصيوي يريد أن يتخلص منه ولكنه كان "مسنوداً" من أحد كبار أعضاء النادي. ومن كثرة "زهق" الحصيوي من مستواه الذي لا يتقدم. قرر عمل مقلب فيه.
قال له الحصيوي إن علاجه الوحيد هو أن يحضر فردة حذاء كرة ويزيل منه "الاستادز" وهي المسامير المدببة في أسفل الحذاء. ثم يغلي الحذاء في الماء ساعات طويلة. ثم يقلي الفردة بالسمن ثم يأكلها بالهنا والشفاء!!! بعد أن تكون قد استوت تماماً وبذلك يصبح لاعباً عالمياً.. وكان حارس المرمي ساذجاً. فضلاً عن أنه "جته ضخمة" تأكل أي شيء.. فصدق مدربه. وفعل!!
وشاعت الحكاية في النادي كله. المهم أنه هو الذي رواها لزملائه. وكان يؤكدها لكل من سمعها ولم يصدقها من أعضاء النادي. حتي أصبح موضع سخرية في النادي كله. لم يكن يراه أحد حتي يستغرق في الضحك. فاضطر حارس المرمي "المغفل" أن يترك النادي ويحتجب في بيته وبذلك تخلص منه عم الحصيوي.
ولكن المسئول الكبير بالنادي الأولمبي الذي كان يسانده قرر رفع قضية في المحكمة ضد الحصيوي. واستشهد بكل اللاعبين. فاتفق الحصيوي مع كل اللاعبين علي أنه عند استدعاء المحكمة لكل منهم للشهادة. تكون إجاباتهم كالتالي:
القاضي سائلاً: هل تعرف نصر - هذا هو اسمه - حارس مرمي النادي الأولمبي؟؟
فتكون إجابة اللاعب كالآتي: "آه نصر المجنون".. ثم يكمل الكلام.
وهكذا كانت كل إجابات اللاعبين أمام القاضي: "آه نصر المجنون.." حتي أيقن القاضي أنه فعلاً مجنون.. فكان طبيعياً أن حكم بالبراءة!!
***
* في النصف الثاني من ديسمبر من كل عام تحضر أحسن الفرق الأوروبية للعب بالقاهرة والإسكندرية.. فاجتمعت منطقة الإسكندرية مع منظمي الأبواب لإعطائهم التعليمات. وكان من ضمن التعليمات أن هناك لاعبين اثنين متعبين. يحضران ومعهما عدد كبير من أصدقائهما لادخالهما لمشاهدة المباراة بدون تذاكر. وكانت التعليمات تقضي بالتشدد معهما. ولكن مع شيء من المرونة في المعاملة حتي لا يغضبا وينصرفا دون الاشتراك في المباراة.. يعني ممكن السماح بواحد أو اثنين مع كل لاعب وعلي الأكثر ثلاثة.
وعند وصول الحصيوي إلي باب الاستاد ومعه 13 صديقاً سمع مراقب الباب وهو يردد بصوت عال:
- طب أدي احنا خلصنا من حسن رجب.. لما نشوف بقي الحصيوي.
فما كان من الحصيوي إلا أن توقف عن التقدم. ورجع مع أصدقائه للخلف. وكانت تعليماته لهم أن كل من يمر منهم من الباب يتوجه فوراً إلي المدرج ويختفي فيه. لا تنتظروا بعض عند الباب.. وهنا تقدم الحصيوي ومعه شنطة ملابس اللعب. واقترب من مراقب الباب وقال له:
- آه.. أنت عاوز تذاكر أصحابي دول.. طيب.
ثم وضع الشنطة علي الأرض. وأخرج محفظة نقوده من جيبه الداخلي للجاكتة. وأبرز ما بها من جنيهات. وكانت التذكرة أيامها رخيصة. وقال للمراقب:
- عد معايا.
وبدأ المراقب يعد الداخلين 1 - 2 - 3 -.... ..13 وهنا وضع الحصيوي المحفظة في جيبه. وانحني وأخذ شنطة اللبس من علي الأرض. وهمس في أذن مراقب الباب:
- أنا الحصيوي.. ودخل بسرعة!!.. وأخذ مراقب الباب يردد: "الله.. الله.. الله.. ثمن التذاكر ياكابتن!!.. ياكابتن.. كان الكابتن فص ملح وداب.
***
* مواسم الانتقالات والاستقالات زمان كانت مليئة بالطرائف.. وكان فريق النادي الأولمبي يقيم في قرية "كوم الرحال" في عزبة المرحوم المهندس رفعت بك الفار حما الأستاذ صالح الحناوي. أمين صندوق النادي في ذلك الوقت.
وكان الحصيوي كلاعب يحاول أن يكسر الفراغ والملل الذي يعيشه زملاؤه اللاعبون طوال 15 يوماً في وسط الحقول.. وبالصدفة كان نادي الأولمبي قد خطف من نادي السكة الحديد المرحوم حسين رشدي أحد قمم كرة القدم في ذلك الوقت. ولاحظ الحصيوي أن حسين رشدي "أكل الجو" وأنه أصبح كومبارس. فقرر إثبات وجوده بطريقة طريفة.
أحضر الحصيوي المرتبة التي علي السرير الخاص بحسين رشدي وسكب فوقها كوزين ماء.. ثم حمل المرتبة ووضعها علي الأرض في الشمس أمام باب الفيللا أمام كل سكان العزبة.. ووقف بجوارها وكل ما يمر شخص يهمس الحصيوي في أذنه وكأنه سر: "أصل حسين رشدي عنده هذا الداء.. يتبول علي نفسه بالليل"!!.. وكانت فضيحة.
ثم وجد الحصيوي أن حسين رشدي لم يتأثر كثيراً بهذه الفضيحة.. فقام بحركة أخري.. قرر أن يلعبوا كوتشينة للتسلية.. ثم اقترح أن يلعبوا لعبة الشايب.. ومن يوجد عنده الشايب يتم مده علي رجليه في وسط الشارع أمام سكان العزبة.. وبحركة وخفة يد. مع وضع أكثر من شايب في الكوتشينة وبالاتفاق مع بض اللاعبين الآخرين. تم "تدبيس" الوافد الجديد وهو حسين رشدي في الشايب.. فأمسكوا به.. وبدأوا يربطون رجليه ليرفعوها إلي أعلا.. وشمر الحصيوي ذراعيه وأمسك بالخيرزانة لينفذ عقوبة الشايب.. فصاح حسين رشدي قائلاً:
- ياحصيوي.. أنت عمي وعم أبويا وأمي.. أنا مش قدك.. هاتوا ورقة وقلم واكتب لك اللي انت عاوزه.. وإذا كنت عاوزني أعتزل أعتزل.. بس ابعد عني.. ومات الجميع من الضحك.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف