يقولون ان النسيان نعمة .. لكن صرت أخاف علي ذاكرتي من التآكل بسبب كثرة النسيان.. وصرت أشعر أن الذاكرة هي أعظم نعمة أنعمها الله علينا ـ ولذلك يجب أن نبحث عن شئ وكل شئ يساعد علي حفظ الذاكرة ومقاومة النسيان.. فالذاكرة هي المخزون الاستراتيجي وهي رأس مالنا الحقيقي.. خصوصا مع تزايد الأخبار المؤلمة عن انشار مرض الزهايمر وفشل العلم في التوصل إلي علاج ناجع له حتي الآن.
لولا الذاكرة ما تعلمناـ ولا استمتعنا بالقراءة والكتابة.. الذاكرة هي مصدر سعادتنا ومبعث عواطفنا ومخزن خبراتنا المتراكمة.. وعن طريق الذاكرة نستفيد من خبرات السابقين علينا ونعيش أعماراً فوق أعمارنا.. وقد أراد بعضهم تعريف الإنسان بأنه كائن عاقل له ذاكرة.. ثم بعد أن اكتشفوا أن بعض الحيوانات والطيور لها ذاكرة أيضا وان كانت ضئيلة جدا قالوا ان الانسان كائن له دائرة مكتوبة.. كائن له تاريخ ـ وهذه هي الخاصية الأهم التي ينفرد بها الإنسان.. انه الكائن الوحيد في هذا الكون الذي استطاع أن يكتب ذاكرته ويسجل تاريخه لكي تستفيد الأجيال اللاحقة من الأجيال السابقة.
كل كائن عاقل في هذا الكون يعيش محكوماً بتجربته الفردية وبخبراته التي اكتسبها بذاته إلا الانسان الذي صارحكم تاريخه الطويل المسجل يعيش بتجربة الآخرين المنقولة إليه شفوياً أو مكتوبة منذ ولادته إلي أن يموت.
والذاكرة هي أهم عناصر الذكاء ـ فنحن عادة نصف الشخص بأنه ذكي إذا استطاع أن يحفظ كثيراً من المعلومات ويستدعيها بسرعة ـ وإذا استطاع أن يربط بين هذه المعلومات بعلاقات ادراكية.
ومؤخراً نشر الصديق د. خالد عزب مدير الإعلام بمكتبة الإسكندرية دراسة علمية بعنوان "مقاومة النسيان رؤية علمية بحثية" أوضح فيها أنه "قبل سنوات كان من المعتقد أن الانسان يولد بعدد معين من خلايا المخ التي تؤثر علي عمل الذاكرة والتي تقل مع تقدم العمر.. ولكن من الثابت علمياً الآن أن المخ يستمر في انتاج الخلايا خلال عمر الإنسان كله".
لكن ما الذي يستطيع الانسان أن يفعله لضمان تجدد خلايا المخ وبالتالي مقاومة ضعف الذاكرة؟!
تنصح الدراسة بأمور ثلاثة: ممارسة الرياضة.. والحفاظ علي الوزن.. والعناية بنوعية الغذاء.. هذا ليس كلاماً مرسلاً.. وإنما جاء بعد أبحاث أجريت علي الفئران.. ودراسات عن علاقة محيط الخصر و"الكرش" بقوة الذاكرة.. وتبين أن الدهون تمثل الخطر الأكبر علي القدرات العقلية.. والأفضل التركيز علي الفاكهة والخضراوات.. أما أفضل منشط للذاكرة فهي ثمرة التوت.. ومن هنا تستطيع أن تستنتج لماذا كان آباؤنا وأجدادنا يتمتعون بذاكرة حديدية وهم يأكلون التوت من علي شجرة.
الذاكرة في الواقع هي الانسان.. هي العقل الذي هو مناط التكليف.. ولو محيت ذاكرة الانسان فماذا يبقي له وماذا يبقي منه.. مجرد لحم وعظم لا ضرورة لهما.
ومع كل تلك الأهمية للذاكرة فإن النسيان فعلاً نعمة.. لابد أن تعترف بهذا.. ولولا النسيان ما استطعنا أن نكمل مشوار الحياة ونحن أسوياء.. تصور لو أننا تذكرنا كل الحماقات التي ارتكبناها والمخجلات التي فعلناها والاساءات التي وجهت الينا.. والله لو أن تاريخنا كله كان حاضرا معنا طوال الوقت لكرهنا أنفسنا وكرهنا الحياة.. ولكن من رحمة الله بنا أننا ننسي حتي نستطيع أن نبدأ من جديد.
وسبحان من جمع لنا بين الذاكرة والنسيان.. وأودع فينا الخير والشر.. والنفس الأمارة والنفس اللوامة .. حتي ندرك دائما أننا بشر.. مجرد بشر نخطئ ونصيب.. لسنا ملائكة ولسنا شياطين.. فتستمر الحياة.