عبد القادر شهيب
مأساة المسيري .. ودرس المسيري !
وهو درس للجميع.. ليس للمسيري وحده ولا لكل مسئول يشبهه أو لكل عبده مشتاق لأي منصب في أي مكان وأي موقع
ليس الزواج وحده هو الذي يعتمد علي القبول والرضا، السلطة أيضاً تعتمدعلي القبول والرضا!.. فلا يستطيع أي مسئول في أي مكان أو أي موقع أن يعمل بدون توفر حالة من القبول والرضا للرأي العام في نطاق مسئوليته.. وهذا هو الدرس الذي يتعين أن نستوعبه بعد المأساة التيتعرضت لها مدينة الاسكندرية بعد الأمطار الغزيرة التي أغرقتها واسفرت عن ضحايا بشرية وخسائر مادية وآلام نفسية.
فعندما تولي السيد هاني المسيري مسئولية محافظ الاسكندرية لم ينجح في أن يفوز بقبول ورضا أهل المدينة.. بل لعله لم يهتم اصلاً بالحصول علي هذا الرضا والقبول، ولذلك تعامل معه أهل الثغر بوصفه شخصاً مفروضاً عليهم وغيرمرغوب فيه.. ولذلك لم يبلعوا له (الزلط) وإنما تمنوا له الوقوع في الخطأ لكي يتخلصوا منه سريعاً وقد ساعدهم المسيري بتصرفاته وطريقة واسلوب ادارته علي تنمية هذا الاحساس لديهم.. احساس عدم الرضا والرفض والرغبة في تغييره واستبداله بمحافظ آخر.. فإن السيد المحافظ اختار أولويات تختلف وتتناقض مع اولويات مواطني الاسكندرية، وبدا ان اهتمامات السيد المحافظ بعيدة تماماً عن أهتماماتهم والتي يتصدرها بالطبع علاج سوء الخدمات الاساسية التي يحصلون عليها ورفع مستوي هذه الخدمات.. ولذلك كان يتباعد أكثر عن الناس، وكان غضبهم عليه، ورفضهم له يتزايد يوماً بعد الاخر.
وهكذا.. عندما وقعت مأساة الأمطارالتي أغرقت الاسكندرية لم يكن أهلها مستعدين لتقبل أية أعذار من السيد المحافظ الذي قبلت استقالته، من قبيل نقص الموارد الأمر الذي دعا رئيس الحكومة لرصد مبلغ اضافي لعلاج مشكلة الصرف الصحي بالمدينة، أو من قبيل عدم سيطرة المحافظ - أي محافظ - علي مشروعات الصرف الصحي في المدينة لأنها تتبع وزارة الاسكان.. بل علي العكس رأي أهل الاسكندرية أن ماحدث في مأساة الامطار هي بمثابة - كما يقال - القشة التي قصمت ظهر البعير.. لقد انفجر غضبهم حاداً وضخماً في وجه المحافظ، خاصة بعد أن اعتبر ما حدث كارثة بيئية وليست كارثة ادارية ليتهرب من المسئولية.. وارتفعت اصوات أهل الاسكندرية عالية تندد بما حدث لهم وتطالب باقالة السيد المحافظ فوراً، بل ان هناك من طالب بمحاكمته باتهام القتل الخطأ باعتباره مسئولاً عن الضحايا الذين لقوا مصرعهم عندما اغرقت الامطار شوارع المدينة.
هذا هو الدرس الأهم لمأساة غرق الاسكندرية في مياه الامطار، وهو درس يسبق كل الدروس التقليدية والمتمثلة في فساد المحليات وغرقها في الاهمال، وعدم وجود إدارة محلية حقيقية، والقوانين التي تنظم عمل المحافظين.
وهو درس للجميع.. ليس للمسيري وحده ولا لكل مسئول يشبهه أو لكل عبده مشتاق لأي منصب في أي مكان وأي موقع.. وإنما قبلهم هو درس لمن يختارون الوزراء ويختارون المحافظين ويختارون رؤساء الهيئات والمؤسسات والشركات العامة.. علي هؤلاء أن يتأكدوا توفر القبول والرضا العام فيمن يختارونهم مثلما يحرصون علي التأكد من كفاءة ونزاهة المختارين لتولي هذه المناصب الحكومية والرسمية.. فلا يمكن فرض وزير أو محافظ علي الناس، وهو غير مقبول منهم ولا يحظي بالحد الأدني من رضائهم.. لن يتفهموا او يتقبلوا ما يقوله وما يفعله وما يتخذه من قرارات.. والقبول والرضا للمسئولين يتوفر فقط عندما يكون لدي هذا المسئول استعداد للاقتراب من الناس وادراك لما يحتاجونه وتقدير لاولوياتهم.
فمهما كانت كفاءة المسئول فإنه لن يقدر علي فعل شيء في ظل عدم توفر حالة القبول والرضا له.. هذا ما حدث للمسيري.. منذ اللحظة الاولي لتعيينه محافظاً للاسكندرية وهو يفتقد القبول والرضا من أهل الاسكندرية.. بمرور الوقت تطور عدم القبول، عدم الرضا إلي رفض له وغضب منه.. ان الادارة والحكم فن والتعامل مع عموم الناس سياسة.. وهذا يجب ان يتوفر في كل مسئولينا والا لن يحصلوا علي الرضا والقبول وسوف يثيرون غضب الناس.