معلومة لافتة جاءت على لسان الأستاذ محمد حسنين هيكل فى حواره الأخير مع الإعلامية «لميس الحديدى»، قال فيها: «ورثة المشير أبوغزالة يختلفون على تركة قوامها 100 مليون دولار.. هناك ألغاز ونحن لا نتكلم ولو تكلمنا يغضب البعض.. حيث إن هناك خلطاً بين العام والخاص، وخلطاً بين المشاعر والحقائق». الرقم كبير بكل المقاييس، والتعبير عنه بالعملة الصعبة يزيده كبراً وغرابة؛ فالمشير أبوغزالة (رحمه الله) تولى منصب وزير الدفاع قبل أشهر من اغتيال الرئيس السادات فى حادث المنصة الشهير (1981)، وظل فى هذا المنصب حتى عام 1989، أى بعد ثلاث سنوات بالتقريب من أحداث الأمن المركزى (1986). وقد شغل المشير العديد من المناصب العسكرية قبل وصوله إلى موقع وزير الدفاع، وبغض النظر عن أن الموظف المصرى، أياً كان موقعه، يقبض راتبه بالجنيه، فإن أى وظيفة فى مصر لا تمنح صاحبها فرصة أن يجنى ما يقرب من مليار جنيه، مع تقديرنا الكامل لقيمة الاجتهاد بالطبع».
رقم ثروة «أبوغزالة» لغز، وحديث «هيكل» عن وجود ألغاز أخرى كثيرة، وتقريره أنه لا يريد أن يتكلم حتى لا يغضب البعض، يثير العديد من الأسئلة. أولها إلى أى حد توجد صلة بين الرقم المعبر عن ثروة أبوغزالة وثروة رئيسه «مبارك» الذى عمل معه أيام كان وزيراً للدفاع، وثروة الآخرين من الرجال الذى أحاطوا بـ«مبارك» أو اقتربوا من منصة الحكم؟
العقل والمنطق يقولان إن ثمة علاقة بين الأمرين، وأن الرقم الذى جمعه أبوغزالة يمكن أن يكون شديد التواضع قياساً إلى ما حصّله من هو أكبر منه، أو حتى من هو دونه وواصل العمل داخل النظام بعد العام 1989. ثانى الأسئلة يتعلق بهؤلاء الذين لمّح إليهم «هيكل» ويشكلون ألغازاً أخرى تشخص إلى جوار لغز «أبوغزالة». ربما كان الأمر متعلقاً بآخرين من المنتمين إلى عصر «مبارك»، ذلك هو الأرجح إلى حد ما، ولكن ما دلالة عبارة: «هناك خلط بين الحقائق والمشاعر» فى هذا المقام؟. أما السؤال التالى فيرتبط بهذا «البعض» ممن يخشى «هيكل» أن يغضبوا لو أنه تكلم؟
فى كل الأحوال أجد أن الأستاذ هيكل لم يُلقِ بهذه المعلومة اعتباطاً، إنما كانت لديه أسبابه ومراميه وأهدافه، ويبدو أيضاً أنه وجد أن التوقيت الحالى هو الأنسب للإلقاء بها. فـ«هيكل» رجل يجيد الحسابات، وخطابه دائماً ما يعتمد على المواربة، والتوازن، أو إمساك العصا من المنتصف، وهو بحال ليس بالشخصية المندفعة، كما أنه -متعه الله بالصحة- ليس فى سن اندفاع. فى ظنى أن الطلقة المعلوماتية التى انطلقت على لسانه حول «ورثة المشير» مقصودة. ويثير هذا الأمر سؤالاً حول أهداف هيكل من الزج بهذه المعلومة وسط العديد من الأفكار التى احتشد بها حواره مع «لميس». أتصور أن من حق الناس أن تعامل بقدر أكبر من الشفافية، وإذا كان «هيكل» قد ألقى بهذه المعلومة، فعلى السلطات المعنية أن تقدم لنا بياناً عن مدى دقتها، أو فى أبسط تقدير تفسرها لنا، من منطلق أن «العلم نور»!