الأهرام
جمال عبد الناصر
في خيمة الضِّيفان!!
تواصلت رحلة الركب المبارك بقيادة رسول الهدى، حاملةً مشعل النور للبشرية جمعاء، منطلقةً من غار ثور إلى يثرب، فمرت بخيمة "أم معبد الخزاعية... واسمها عاتكة بنت خالد..." [الإصابة لابن حجر]، كانت تعيش في الصحراء، وتطعم الجائع وتسقي الظمآن ممن يمرون على خيمتها؛ فكانت المعجزات أن حلبت شاتُها بفضل الله على يدي رسول الله، فجاء زوجها فرأى اللبن واندهشَ، فوصفت له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرت سماته ومحاسنه، فقال الرجل: والله إنه لصاحب قريش الذي تبحث عنه، وذاع صيت رسول الله في البلدان، وراح أبو معبدٍ يبحث عنه ليسلم.. إنه نصر الله المؤزر بالرغم من وقوف البشرية كلها ضده، إلا أنَّ الله ناصرٌ دينَهُ، فماذا هم فاعلون؟!
وقد روى قصة أم معبد الإمام ابن جرير الطبراني في معجمه الكبير عن حبيش بن خالد صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أن رسول الله حين خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة وهو وأبو بكر -رضي الله عنه- ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة -رضي الله عنه- ودليلهما الليثي عبد الله بن الأريقط، مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء القبة ثم تسقي وتطعم، فسألوها لحمًا وتمراً ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك، وكان القوم مُرملين مُسْنتين فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى شاة في كسر الخيمة، فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: خلفها الجهد عن الغنم، قال: فهل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك، قال: أتأذنين أن أحلبها؟ قالت: بأبي أنت وأمي نعم إن رأيت بها حلبًا فاحلبها، فدعا بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمسح بيده ضرعها وسمى الله عز وجل، ودعا لها في شاتها؛ فتفاحت عليه ودرَّت واجترَّت، ودعا بإناء يربض الرهط فحلب فيها ثجا حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى .

رُووا، وشرب آخرهم صلى الله عليه وسلم، ثم أراضوا، ثم حلب فيها ثانيا بعد بدء حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها ثم بايعها وارتحلوا عنها. فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعْنزًا عجافا يتساوكن هزلا ضحى مخهن قليل، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاة عازب حيال ولا حلوبة في البيت؟ قالت: لا، والله إنه مرَّ بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا.

وصفُ أم معبدٍ رسولَ الله

قال أبو معبد لزوجته متسائلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صفيه لي يا أم معبد قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حَسُنَ الخلق، لم تعبه ثحلة، ولم تزر به صعلة، وسيم في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صهل، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزج أقرن، إن صَمَتَ فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاها وأحسنها من قريب، حلو المنطق فصل لا هذر ولا نزر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربع لا يأس من طول ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرًا، وأحسنهم قدرًا، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفودٌ محشودٌ لا عابسٌ ولا مفندٌ.

قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذُكر لنا أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممتُ أن أصحبه، ولأفعلنَّ إن وجدت إلى ذلك سبيلاً، فأصبح صوتٌ بمكة عالياً، يسمعون الصوت ولا يدرون مَنْ صاحبه، وهو يقول:

جزى الله رب الناس خير جزائه *** رفيقين قالا خيمتي أم معبد

هما نزلاهما بالهدى واهتدت به *** فقد فاز من أمسى رفيق محمد

فَيَا لَقُصَيٍّ ما زوى الله عنكم *** به من فعال لا تُجارى وسؤدد

ليهن بني كعب مكان فتاتهم *** ومقعدها للمؤمنين بمـــــــرصـــد

سلوا أختكم عن شاتها وإنائها *** فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد

دعاها بشاة حائل فتحلَّبتْ *** عليه صريحًا ضرة الشاة مزبد

فغادرها رهنًا لديها لحالب *** يرددها في مصدر ثم مورد
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف