احمد الشامى
أحلام "الميدان".. وكوابيس "البرلمان"
يتصور البعض ان جذوة الأحلام التي أشعلها الشباب في ميدان التحرير أثناء ثورة 25 يناير بدأت تخبو. ودليلهم علي ذلك ضعف الاقبال في المرحلة الأولي من انتخابات البرلمان. وراح الخبراء يحللون ويقفزون إلي نتائج قبل الانتهاء من الانتخابات وتحديد نسبة الحضور النهائية. وعددوا أسباب عزوف المرشحين والناخبين. وعرضوا أسباباً كثر من بينها شعور المواطنين بالاحباط والنظام الانتخابي بالقوائم المطلقة وعودة فلول الحزب الوطني فضلاً عن كثرة الاستحقاقات السياسية خلال الفترة الماضية. كل هذه الأمور وغيرها ـــ في حال كان هناك عزوفاً من وجهة نظرهم ـــ أدت إلي عدم المشاركة في الاقتراع. ونسي هؤلاء جميعاً ان ثورة 30 يونيو لم يمض عليها سوي عامين و4 أشهر فقط وهي فترة بسيطة جداً في تاريخ الأوطان لتحقيق كل هذه الطموحات التي يسعي المواطنون إلي تحقيقها. ولذا عليهم أن يعلموا ان حلم ميدان التحريرلايزال نابضاً ولم يجهض كما يزعم كثيرون بشرط المشاركة الإيجابية في الانتخابات واختيار الأنسب.
وقبل أن يفكر أي شخص في المقاطعة عليه أن يتخذ من تاريخ وطنه وما تعرض له من أهوال نتيجة الصمت و"الأنامالية" وعدم المشاركة في اتخاذ القرارات التي تمس مستقبل بلده عبرة. فقد عاشت مصر آلاف السنين تحت وطأة المحتلين عقب عهد الفراعنة حتي ثورة يوليو 1952. من بينها ما يقرب من 400 سنة خضعت خلالها للباب العثماني. بزعم اقامة دولة الخلافة. إذ كانت البداية عندما تولي السلطان سليم الأول الحكم عام 1517. وبعد هزيمته لولي مصر المملوكي طومان باي شنقه علي باب زويلة أمام جمع من الناس وجز رقبته. ولم يكتف بذلك بل أمر جنوده في يوم دخولهم القاهرة بذبح 10 آلاف من المصريين بالسيوف في مقدمتهم المفكرين. فصارت جثثهم مرمية علي الطرقات بالقرب من باب زويلة. وكادوا يقتلون أهل مصر جميعاً. وكانوا يستعبدونهم "يخطفون عنهم العمائم ويعرون الناس في الشوارع ويخطفون غلالهم وطعامهم" وسقطت الإمبراطورية العثمانية في الزول من نوفمبر 1923 بإعلان تأسيس الدولة التركية الحديثة. علي يد مصطفي كمال الدين أتاتورك. بعد أن قررت أن تدير ظهرها للإسلام والمسلمين وتتجه إلي أوروبا حيث الحضارة الحديثة لتلحق بركب التقدم والتنمية.
وجاءت ثورة 25 يناير لتكون فارقة في تاريخ وطننا في وقت ظننا ان شعبنا تحول إلي أموات علي قيد الحياة. وعندما عاد الشعب يتدثر بعباءة الصمت ورفض المشاركة في الانتخابات الرئاسية وسافر إلي الشواطيء. خطف الإخوان الحلم وكاد المعزول محمد مرسي أن يكرر مذبحة سليم الأول ويذبح المصريين في الشوارع بزعم اقامة دولة الخلافة. عندها انتفض الشعب من جديد في 30 يونيو وتصورنا ان الصحوة ستستمر طويلاً. لكن تحولت الانتخابات الأخيرة لاختيار مجلس النواب إلي "كوابيس البرلمان" فكثيرون يظنون ان المقاطعة ستبقي الأمر علي ما هو عليه. لكنهم لا يقرأون التاريخ فمصر التي يتربص بها الإخوان والسلطان العثماني وغيرهما من "التتار الجدد" في كل مكان ينتظرون لحظة الانقضاض علي الثورة. لذا يتعين أن يكون أبنائها أكثر وعياً ولا يتركون الفرصة لأعدائهم. فالواقع يظهر ان كثيراً من المصريين لا يحلم الآن. علي الرغم من أن تحقيق الطموحات ليس مكلفاً. بل يحتاج إلي المشاركة حتي آخر لحظة في خريطة المستقبل التي رسمها الشعب بدمائه ولا نقف نتفرج ونترك مصير وطننا في يد "الجماعة" التي تخصصت في إجهاض الأحلام. لأن الحكومة ستبدأ في تنفيذ الاستحقاقات الاقتصادية فوراً بعد انعقاد البرلمان. إذ ستكون الدولة جاهزة للانطلاق وتحقيق التنمية.
وأقول لكم. إننا جُبلنا منذ آلاف السنين علي عدم المشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية. لكن للصبر حدود وما كان مقبولاً قبل 15 يناير. لم يعد له مبرراً الآن فحلم ميدان التحرير لايزال علي قيد الحياة علي الرغم من وجود بعض التحديات التي واجهت المصريين لكنها لا يمكن أن تكون عائقاً أمامهم لمنعهم من تحقيق طموحاتهم. فالمشاركة وليس المقاطعة هي التي تغير الأوطان إلي الأفضل. حتي لا نترك بلدنا فريسة للأعداء الذين يتربصون بها من كل جانب لتحويلها إلي خرابات تنعق فيها البوم وتسيطر عليها الغربان السود. فالوقت لايزال أمام الناخبين قبل المرحلة الثانية من الانتخابات لمراجعة أنفسهم لاختيار أنسب المرشحين قبل أن نخفق في استكمال خارطة المستقبل وتهاجمنا كوابيس البرلمان كالطيور الجارحة التي تنقر رءوسنا حتي تنزف الدماء. ونشعر بالندم بعد فوات الأوان لأننا سنكون قد أعطينا الفرصة لــ "التتار الجدد" لتقسيم بلدنا وتأجيج الفتنة الطائفية ويصبح من السهل وقتها دخول قوي خارجية إلي وطننا لقتل شعبنا في الشوارع كما فعل الأتراك منذ 500 سنة عندما ذبحوا 10 آلاف مصري بالسيوف في يوم واحد. لكن أراهن علي وعي المصريين وقدرتهم علي احباط مؤامرات الإخوان الذين يسعون لاقامة دولة الخلافة.