سوف تنتهي موجة الإرهاب والعنف السياسي عاجلاً أو آجلاً.. لكن ستبقي المشكلة الأخطر.. مشكلة العنف المجتمعي المتفشية الآن والتي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.. وتعطي مؤشرات مرعبة لمستقبل أجيال تتربي علي مشاهد الرقص بالسكاكين في أفلام السبكي.
ملف العنف المجتمعي متخم وأخباره مخيفة من حيث الكم والكيف: تلميذ ووالدته يضربان مدرساً علقة ساخنة في طابور الصباح.. إحالة مدرس للنيابة في الغربية بعد أن أصاب طالبة بـ 7 جروح قطعية.. سائق يقتل زوجته ثم يخرج من السجن ليقتل زوجة شقيقه.. سيدة تتخلص من زوجها بمساعدة عشيقها وشقيقها في بولاق الدكرور.. أب يقتل ابنه - 15 عاماً - في الدقهلية أثناء محاولة تأديبه.. فلاح يشنق نفسه في بني سويف ويتبين أنه يعاني من حالة اضطراب نفسي.
هذه مجرد نوعية من الجرائم التي صرنا نقرأ مثلها كل يوم في الصحف.. وهي تؤكد أن المجتمع المصري تغير كثيراً.. لقد كانت جريمة واحدة من هذه الجرائم كفيلة بأن تهز الناس هزاً وتتحول إلي مادة للدراسة والتحليل.. لكن الجرائم تكاثرت وازدادت عنفاً واستهانة بالنفس البشرية.. ولن نختلف كثيراً حول أسباب ذلك.. فهي معروفه للجميع دون أن يجرؤ أحد علي اتخاذ خطوة جادة نحو العلاج.
وتواكب هذا العنف الجسدي ظاهرة العنف اللفظي والتحرش باللسان.. وهي ظاهرة واضحة في أي حوار تسمعه في الشارع أو في وسائل الإعلام.. حيث ينقلب الحوار بسرعة إلي تجاوزات بشعة ولغة هابطة ومفردات خادشة للحياء وشتائم وبذاءات.. وقد سمعت في برنامج تليفزيوني من يقول إنه كلما كانت الأغنية هابطة والكلمات "ضاربة" و"صايعة" كانت أكثر نجاحاً وحقق المطرب شهرة أكثر.
هناك خلل بلا شك في هذا المجتمع يحتاج إلي علاج.. وتلك مهمة صعبة ومتعددة الجوانب لكنها ليست مستحيلة.. حتي لا يتمدد العنف أكثر من ذلك أو يتحول إلي سلوك جماعي يقلب حياتنا إلي جحيم.. وما حدث في الحوامدية بالجيزة نموذج للعنف الجماعي الذي أحذر منه.
كان القطار 832 إكسبريس المتجه من القاهرة إلي أسوان قد توقف علي شريط التخزين في محطة الحوامدية كي يفسح الطريق ليمر القطار المكيف 1902 المتجه أيضاً من القاهرة إلي أسوان.. لكن مدة حجز إكسبريس الغلابة طالت إلي ما يزيد علي 45 دقيقة مما دفع ركابه إلي النزول والتجمهر والتذمر.. وعندما وصل القطار المكيف استقبلوه بوابل من الحجارة تعبيراً عن غضبهم مما أدي إلي تحطم زجاج عدد من نوافذ العربات.. ولم يفضوا تجمهرهم إلا عندما جاءت الشرطة في الواحدة والنصف صباحاً.. وكانت النتيجة ارتباك حركة باقي القطارات وتأخرها.
ونحن بالطبع مع وزير النقل في مناشدته للمواطنين الحفاظ علي الممتلكات العامة التي هي ملك للشعب ومن أمواله.. وفي تحذيره من تزايد ظاهرة الاعتداء علي القطارات وتحطيم زجاجها وأبوابها ومقاعدها مما يكلف الدولة ملايين الجنيهات علي إصلاحها.. وكان من الممكن إنفاق هذه التكاليف في إصلاح وتطوير قطارات الدرجتين الثانية والثالثة وتشغيل مواعيد إضافية علي الخطوط التي يزداد الضغط عليها.
كل ذلك صحيح ومنطقي.. لكني أرجو السيد الوزير ومعاونيه أن ينظروا في دلالة الحدث.. وأن يتعمقوا أكثر في قراءة المشهد ومغزاه.. ويضعوا أنفسهم مكان ركاب إكسبريس الغلابة الذي ركنوهم في التخزين ساعة إلا الربع لكي يمر قطار الـ V.I.P المكيف.
علينا إذن أن نقاوم العنف.. لكن علينا أيضاً أن نقاوم الظلم والإهمال والتجاهل والتمييز حتي يستقيم الأمر.. ويعود إلينا وطننا آمناً مطمئناً كما عهدناه.. أرجوكم خلوا بالكم من ركاب الإكسبريس.