الوطن
د. محمود خليل
إنه السفاح
الشىء الجاد لما يمسّخ يقلب كوميديا. خبر يقول: «تُكثّف أجهزة الأمن فى الجيزة، جهودها لفك لغز العثور على 3 رسائل من تنظيم «داعش» الإرهابى عُثِر عليها بداخل عبوة هيكلية ملقاة بجوار أحد الفنادق بمنطقة الهرم. وكشفت التحريات والمعاينة، عن أن داخل العبوة 3 رسائل؛ الأولى صورة لإرهابيين ملثمين يرفعون علم «داعش»، والثانية رسالة تهديد للجيش المصرى والشرطة، والرسالة الثالثة تدعو لانتخاب أحد مرشحى البرلمان».

يذكرنى هذا الخبر بمشهد من فيلم «اللص والكلاب»، يدعى فيه أحد المواطنين الذين يريدون التسلية أنه السفاح، ويتصل بإحدى المواطنات، ويطلب منها تجهيز مبلغ من المال، ويقول لها فى رسالة تليفونية: «أنا السفاح وحطلع البلا على جتتكم»!.. يذكرنى الخبر أيضاً بعبارة «إنه السفاح» التى كانت تتردد على لسان الكوميديان المبدع «سلامة إلياس» فى فيلم «سفاح النساء».

قل لى بالله عليك ما الذى يجمع بين علم داعش وتهديدات الجيش والشرطة، والدعوة إلى اختيار مرشح معين فى انتخابات «اللجان الفاضية»؟. الملفت فى الأمر أن الكثير من المواقع الصحفية الكبرى اهتمت بهذا الخبر، بل ووصفه أحدها بعبارة «خبر مهم»!. جميل أن تكون الأجهزة الأمنية متيقظة، لكن الأمور يجب ألا تخرج على المعالجة المنطقية، لأن خبراً من هذا النوع لا يشتمل على أى نوع من المنطق، فهل يعتقد تنظيم داعش فى المجالس النيابية حتى يروج لمرشح معين فى الانتخابات (كما تقول الرسالة الثالثة)؟. يخيل لى أنه كان من الأولى بالتنظيم الذى نتفق جميعاً على أنه «إرهابى» أن ينفذ التهديد الذى حملته (رسالته الثانية)، فيستغل قيام جنودنا فى الجيش والشرطة بتأمين الانتخابات ويستهدفهما، أما أن يروج للانتخابات ولمرشح بعينه، فهذا يعنى أن الرسالة كوميدية، وحتى لو فرضنا ذلك فإن العقل والمنطق لا ينسجم مع الترويج لانتخابات أبرز ما يميزها: «اللجان الفاضية»، كما ذكرت.

إننى أتفهم أن العديد من المواقع التى تداولت هذا الخبر نقلته عن مصادر أمنية، وأستوعب أن الأمن يتعامل بأعلى درجات الحذر مع كل صغيرة وكبيرة، وهو أمر مشكور، لكن إذا كان الحذر واجباً، فالتمييز مطلوب. ومثل هذا الخبر يفتقر إلى أدنى درجات التمييز، خصوصاً وأنه أتى وسط مجموعة من الأخبار التى تلاحقت حول القبض على عناصر أجنبية بتهمة الانتماء لداعش، وتجديد حبس عناصر أخرى بنفس التهمة. وكل ما أخشاه أن يفهم من تركيز الأمن على نشر هذه النوعية من الأخبار أن ثمة سعياً لتأكيد وجود «بعبع» بهدف إخافة الناس، خصوصاً أن «بعبع الإخوان» أصبح فى خبر كان، فاختفت مظاهراتهم، وتكاد تنعدم عملياتهم، بفضل جهود الأمن، وتجفيف أو جفاف منابع التمويل.

فى تقديرى أن صناعة «بعبع» جديد أمر غير مجد، لأن المصريين «العفاريت» لا يخيفهم أى «عفريت»، ولو أن بعضهم صادف عفريتاً فى طريقه فلا بد أنه آكله.. الظروف صعبة!. أخشى أن يفسر البعض حالة الحرص على خلق بعبع كمحاولة لـ«تبليع» الناس ما لم تعد تطيقه أحوالهم. فى ظنى أن الاعتماد على هذه المعادلة «حيعفرت» الناس أكتر.. حواديت أبورجل مسلوخة، والسفاح الشرير، مش حتكست الناس وتنيّمهم!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف