الوفد
عباس الطرابيلى
الأمطار.. نعمة أم نقمة؟
تألمت كثيراً للخسائر التى وقعت بالإسكندرية، وغيرها، بسبب الأمطار التى سقطت عليها.. وتألمت كذلك، وحزنت، لضياع ملايين الأمتار من مياه هذه الأمطار دون أن نستغلها وما أحوجنا إليها.. وتخيلوا أكثر من 3 ملايين متر مكعب سقطت على الإسكندرية وحدها خلال 6 ساعات.. فهل مازلنا ننظر لسقوط هذه الأمطار على أنها ضارة.. وعلينا أن نتخلص منها بأسرع وقت بينما شعوب غيرنا «تتلهف» على بعضها لأنها تراها نعمة.. بل إن كل الأديان السماوية ـ وغيرها ـ تصلى من أجل سقوطها لتحيى الأراضى الميتة.. وتوفر الحياة والنماء للبشر!!
<< وهل نحن أقل قدرة من أجدادنا الذين عرفوا كيف يحسنون استخدامها، وتخزينها، ليوم لا تسقط فيه أى أمطار؟
نقول ذلك لأن الطبيعة علمتنا كيف نطوع هذه المياه وأن نعمل على تجميعها أمام السدود، حتى ولو كانت بدائية.. وأمامنا العديد من هذه السدود أقامها المصرى، على مدى آلاف السنين لحجز مياه هذه السيول للاستفادة منها للزراعة والرعى والشرب أيضاً، وربما سد الروافعة فى سيناء هو كل ما نعرفه عن هذه السدود، رغم أننا أقمنا العديد، غيره.. ليس فقط لحجز ما يمكن حجزه من مياه هذه الأمطار، ولكن لكى نساعد على زيادة مخزون المياه الجوفية، لنعيد استخدامها من خلال آلاف الآبار السطحية أو العميقة بل ونخطط لزراعة آلاف الأفدنة من أراضى سيناء، الشمالية والوسطى والجنوبية.
<< وبجانب هذه السدود عرف السيناوى وسيلة بسيطة لتجميع مياه الأمطار وتخزينها فيما يعرف بالهرابات.. أى جمع المياه الساقطة على المناطق المرتفعة فى خزانات «أو تجاويف طبيعية» لتتحول هذه الهرابة الى مصدر للمياه: للرى والرعى والشرب أيضاً.. وعلى هذه الهرابات يزرع السيناوى منذ مئات السنين الخوخ واللوز والطماطم والخضار والموالح فضلاً عن أشجار الزيتون، وغابات النخيل.. بل هناك من يزرع عليها من قمح وذرة وفول سودانى وغيرها.
<< ومن غرب الإسكندرية وعلى طول الساحل الشمالى الغربى عرف المصرى الآبار الرومانية التى كان عددها كبيراً لتجميع مياه الأمطار.. وعليها اعتمد الجيش الفاطمى الذى غزا مصر قادماً من تونس وحكم مصر أكثر من قرنين من الزمان.. ومازال بعض هذه الآبار «الرومانية» يروى كثيراً من زراعات هذا الشريط الساحلى الشمالى الغربى.. من أشجار تين الزيتون وفروع وقمح وشعير وذرة. وأشجار العنب قديماً هناك.
<< وليس سراً أن مدينة الإسكندرية كانت تعتمد على مياه هذه الآبار التى كانت منتشرة تحت بيوتها لتشرب منها بعد انتهاء موسم الأمطار.. وظلت الإسكندرية تعيش على هذه المياه من الآبار ـ الى أن تم حفر ترعة الإسكندرية قديماً من أيام الدولة البطلمية وتجدد حفر وتعميق هذه الترعة حتى أعاد حفرها محمد على باشا الكبير من فرع رشيد عام 1819 لتساعد فى توفير مياه الشرب للإسكندرية.. فما الذى حولنا عن تلك الطرق لاستغلال مياه الأمطار وتحويلها من نقمة إلى نعمة.
<< أقول ذلك لأننا كمسلمين نعرف صلاة الاستسقاء التى نبتهل فيها الى السماء أن ترزقنا بالأمطار لتحيا الأراضى والبشر.. وكيف أن شعوباً مثل السعودية ودولة الإمارات تطلق على سقوط هذه الأمطار ألفاظ الترحيب والبشرى والخير.. بل إن كثيراً ما رأيت الشيخ زايد بن سلطان نفسه يهرع الى مناطق السيول ـ فى العين ـ ليشاهد ويحتفل مع المواطنين بهذا الخير العميم.. الذى يحيى كل شىء.. ويعمل على إنشاء السدود لكى تخوض المياه الى الأعماق وتزيد من المخزون الجوفى لتغذية مناطق الأفلاج بالمياه.
<< وإذا كنا عاجزين عن استخدام مياه الأمطار.. ونتركها تذهب إلى البحر المتوسط شمالاً أو الى البحر الأحمر وخليجى السويس والعقبة.. وكذلك الى شنايش نفتحها على البحر المالح أمام الإسكندرية، فلماذا لا نوجهها لكى تصب فى بحيرة مريوط فى الجنوب الغربى من المدينة.. لكى نخفف من مستوى تلوثها منذ استخدمناها «بكابورت» لمياه الصرف الصحى منذ الستينيات.. وللعلم كانت مياه هذه البحيرة مياهاً عذبة حلوة منذ مئات السنين.. وكلما نجحنا فى علاج تلوث مياه هذه البحيرة أعدناها الى مزرعة لتربية وإنتاج الأسماك أى تعيد الحياة الى مريوط التى كانت المناطق حولها أكبر منطقة زراعية فى شمال غرب الدلتا.
<< إيه رأيكم.. هل مازلتم ترون فى الأمطار نقمة.. رغم انها نعمة من نعم الله علينا.. أم أننا بسلوكنا نجعلها كذلك؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف