الأهرام
جمال زهران
خرائط جديدة بدعم قوى إقليمية
ما يحدث فى المنطقة العربية مؤامرة كاملة الأركان، تحتاج من المثقفين الوطنيين، أن يرصدوها ويشرحوها ويفضحوها، لعله يمكن تفادى أو تجنب أكبر قدر من الخسائر، فالمؤامرة واضحة وهى نشر «الفوضى الهدامة» بهدف تفكيك الدول الفاعلة فى الوطن العربي، واعادة رسم خرائط المنطقة، واسقاط أنظمة واستبدال رؤساء والدفع بقوى ورموز داعمة للمشروع الاستعماري، وهى آلية تنفيذ هذه المؤامرة، وأهدافها.
ومن أسف أن المؤامرة أعدت فى واشنطن وعواصم أوروبية، وأعلنتها من قبل وزيرة خارجية أمريكا (كونداليزا رايس) تحت عنوان: «الفوضى الخلاقة» من وجهة نظر الاستعماريين الذين يفعلون جرائمهم على خلفية أخلاقية مزعومة. فلماذا لا يفعلون مثلما يفعلون فى المنطقة العربية، فى آسيا أو افريقيا أو أمريكا اللاتينية؟! ربما الجواب الحاسم يكمن فى سببين أساسيين هما: (البترول والموقع الاستراتيجى وسط العالم)، ولعل زرع إسرائيل فى هذه المنطقة على خلفيات دينية مزعومة، هو آلية الضمان للسيطرة على المنطقة وتأديب شعوبها وتهديد حكامها.
ومن هنا عندما يرى المثقف الوطنى المسألة من هذا المنظور، فإن موقعه فى المربع الوطنى والقومى والعروبي، وينطلق فى مقاومة المشروع الأمريكى الصهيونى بمضمونه التآمري، ولديه عقيدة بأن ما أخذ بالقوة لن يسترد بغير القوة، هكذا علمتنا تجارب المقاومة والتحرير. فليس من التحرير والتحرر أن نظل تابعين لأمريكا وأوروبا ولا ننفتح على الشرق، وكأن الغرب قدر لذلك لا أفهم أن يأتى على لسان وزير خارجية مصر أن العلاقات مع الولايات المتحدة استراتيجية وأنه لم يحن الوقت لاعادة العلاقات المصرية مع سوريا، فى الوقت ذاته هناك تصرفات فى السياسة الخارجية المصرية تتسم بالايجابية.

فالذى يحدث فى ليبيا بفعل المؤامرة الأمريكية الأوروبية، وبدعم قوى عربية بشكل مباشر وعلنى وبلا تحفظات، الأمر الذى يسهم فى دعم المشروع الاستعمارى الجديد الهادف إلى التفكيك واعادة رسم الخرائط فى المنطقة، والذى يحدث فى اليمن هو ترجمة للمشروع الاستعمارى والمؤامرة الأمريكية، ومحاولة البعض لتوريط مصر فى حرب أهلية لا هدف منها سوى تفكيك اليمن بزرع الفتنة فيه، على الرغم من الثورة التى اندلعت فيه، وتدخل البعض فى ادارتها والسيطرة عليها وكانوا وراء خيار اجهاضها عن طريق الدفع بنائب الرئيس اليمنى لتولى الرئاسة. ولا يغيب عن بالنا منح جائزة نوبل للاخوانية توكل كرمان اليمنية، لتأكيد مفردات المشهد التآمرى ظاهره وباطنه، على أساس تهيئة الأجواء لحقبة استعمارية جديدة، بزرع نظم بديلة تحكم باسم الغرب الاستعمارى بزعامة أمريكا، يضمنون من خلالهم الخضوع التام من المنطقة للاستعمار الجديد ويعلنون صراحة ولاءهم له.

أما الحادث فى سوريا، فهو جزء من مؤامرة التفكيك، بالادعاء بأن فى سوريا ثورة على غرار ما حدث فى تونس ومصر وليبيا واليمن، وذلك بتصدير مشهد الارهاب لإسقاط النظام واستبداله بعملاء الاستعمار على أساس أنه آن الأوان لإزاحة نظم الممانعة. إلا أن تغيير هيكل النظام الدولى كان من أهم الأسباب الداعمة للنظام السورى بقيادة بشار الأسد، وتفادى بهذا التغيير ضربة عسكرية أمريكية،روج لها البعض من القوى الاقليمية حماية لنفسها وبالوكالة من المشروع الاستعماري، بل قدموا لها التمويل وفشلت. كما أن قوى اقليمية أعلنت بشكل صريح دعمها المالى والعسكري.

وتطورت الأمور فى سوريا إلى حد التدخل الروسى المباشر، والموافقة المصرية الصريحة عليه توافقا مع الحرب ضد الارهاب التى تقودها مصر فى سيناء. الأمر جد خطير.. ويحتاج إلى سياسة خارجية مصرية جريئة وواضحة، وأن ترك الأمور لقوى اقليمية لا تفكر إلا فى اثبات قوتها ظاهريا وأنها الفاعل فى شئون المنطقة، وتتجاهل أن الدور قد يأتى عليها ما لم تتوقف عن ممارساتها الخاطئة التى تدعم المشروع الاستعمارى الجديد، هو خطأ فادح يستوجب الاستدراك السريع، واستكمال 30 يونيو فى سوريا بدعم وحدتها ونظامها وجيشها وضرب الارهاب بكل قوة، لضرب المؤامرة الاستعمارية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف