موضوع اليوم أعتقد أن الكثير مننا مهموم به خاصة أن أصحاب الفتاوي كثروا وبدون وجه حق أو علم.
ما جعلني أسطر هذه السطور اليوم ربما ما حدث في منى والمصائب التي أتت من وراء الفتاوي بضرورة رمي الجمرات في وقت محدد من النهار، مما جعل الكثير ينفذ بدون علم أو اطلاع.. والمشكلة بعدها أن الناس تهلك لمجرد فتوة.
هذه الأيام كثرت الفتاوي في أي شيء.. وتحضرني قصة حدثت أمامي من أحد الشيوخ الذي أصبح علامة وشيخ (جليل) يفتي في كل الأمور.. هذا الشيخ يا سادة، كان يعمل معي زميلا في أحد إصدارات الأهرام، ولا داعي لذكر إسمها الآن، منذ أكثر من 15 عاما، وكان يكبرني بحوالي 15 عشر عاما, وقتها كان مختصا بتفسير الأحلام.. هذا الشيخ أصبح الآن اسما عملاقا في التليفزيون والفضائيات المصرية.. ولديه برنامج شهير يقوم فيه بتقديم المواعظ والفتاوى.. وهو أزهري!
وسأروي لكم حكاية بسيطة ربما تكشف مدى علم الشيخ (الجليل).. في يوم حضرت نقاش بين هذا الشيخ وبين زميل آخر لي في المجال، ليس من الدعاة أو من هواة تفسير الأحلام.. ولكنه ببساطة يفكر ويستخدم عقله الذي أنعم الله عليه به.. كما أن الزميل مهتم بأمور دينه.. قال الزميل للشيخ أنه تعجب من منهج إصدار بعض الفتاوي في برنامج شاهده على أحد القنوات الفضائية، حيث استدل مقدم برنامج الفتاوى على جواز فعل شيء ما استنادا إلى أن الرسول قد فعل ذلك.. وكان رأي الزميل أن منطق الفتوى ينبغي أن ينطلق من أن الرسول لم ينه عن فعل هذا الأمر، فكان جواب الشيخ (الجليل) أن الأمر سيّان.. فتعجب الزميل من أن الشيخ (الجليل) لم يُدرك الفرق بين المنطقين، لأن الأول يقصر الحلال على ما فعله الرسول فقط، وبالتالي فكل ما غير ذلك حرام.. أما المنطق الثاني، فيقصر الحرام على ما نهى عنه الرسول فقط وكل ما بعد ذلك حلال!
وهذه رسالة أخرى وردتني من الدكتور محمد يسري الفرشوطي، أحد القراء الأعزاء، تشاركني نفس فكرة المقال.. والرسالة هي:
الفاضلة الكريمة .. تحياتى القلبية..
رسالتي اليوم هي عن التنطع.. الكلمة صادمة للأذن والروح معا والهلاك معها وفى معناها حسب الحديث الشريف.
وتنطع اليوم ينطبق على فتاوى الحج المهلكة من بعض المفتين والشيوخ الذين تصدوا لفتاوى التنطع في رمى الجمار فهلك الناس وماتوا ميتة بشعة.
مصيبة من يتصدون لفتوى رمي الجمار في وقت معين، وأنه من مستلزمات الحج وأنه يقترب من ساعة محددة وهى قبل الزوال في يوم النحر وهنا يأخذ المسلمون الضعفاء الأنقياء الفتوى من فم الشيخ وتتدافع الملايين في وقت واحد وفى مساحة محدودة للغاية تنفيذا لأوامر المفتى المتشدد الجاهل الذي يواجه قول الرسول الحكيم العظيم في قولته الكريمة (افعل ولا حرج).. الرسول الحبيب يعلَم ضعف الناس وتدافعهم ويقول (السكينة السكينة) وأفعل الميسر وهؤلاء الجهلة المتشددون يصرون في منابر وتجمعات المسلمين على وقت محدد!! هلكت الأمهات والضعفاء والأطفال بل والشباب تحت الأقدام.. لتنقلب فرحة الانتظار بالوصول إلى مناحة بين ردهات المطارات ومكاتب القنصليات وبيوت الناس، وكل ذلك إتباعا لشيخ أفتى وتنطع في فتواه.. لا نقول سوى حسبنا الله ونعم الوكيل.
هل لنا من الأزهر الشريف أن يتدخل بإصدار كتيبات الحج بفترة طويلة على المقدمين لأداء الفريضة وبيان خطورة التنطع على الأرواح.. فرمى الجمار في أي وقت متاح خير من الموت والهلاك حسب تيسير الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.
شكرا جزيلا لسعة الصدر والاهتمام بقضايا الوطن كعادتك القيمة الكريمة.. تحياتي ورحمة الله عليهم أجمعين في عليين.
د. يسرى الفرشوطي.
نعم، رحمة الله عليهم أجمعين في عليين.. معك كل الحق د. يسري، فالناس تزهق أرواحهم، لمجرد السير وراء فتوى عقيمة، من أشخاص لا تيسر أمور الدين، في حين أن الدين الإسلامي دين يسر، لكن مع الأسف، معظم الدعاة وخاصة هذه الأيام، من أصحاب الفتاوي الجامدة المتشددين المغاليين، أصبحوا في كل مكان في العالم.. فليرحمنا الله منهم جميعا!
من قلبي: أتمنى من الأزهر أن يعود دوره للريادة، بحيث يصبح الجهة الوحيدة في العالم المنوط بها إصدار الفتاوي والأحكام، لمواجهة هذا الفكر "المتشرذم" الذي يأخذنا بالإسلام للعصور الوسطى والجاهلية، بدلا من أن نقدم نموذجا إسلاميا نفتخر به ونجعل الإسلام منبرا يسعى إليه الجميع، فهؤلاء يقدمون صورة همجية عن الإسلام.. والله المستعان!