المساء
مؤمن الهباء
ونحن نتآمر علي أنفسنا
تكاثرت علينا المؤامرات.. لكن تظل مؤامرة أثيوبيا ببناء سد النهضة هي أخطر المؤامرات وأكثرها واقعية.. ذلك لأنها تتعلق بمنع تدفق النيل إلي بلادنا بمعدلاته الطبيعية وهو ما يهددنا بالعطش وبوار الأرض وجفاف الزرع والضرع.
من يعبث بالنيل الذي هو شريان الحياة في مصر يتآمر علينا ويهدد وجودنا.. وأثيوبيا تسير في هذا الطريق بهدف خنقنا وإفساد حياتنا.. وهي تماطل الآن في الوصول إلي حلول ودية وسلمية.. وتخدعنا بكلام معسول لكنها سرعان ما تعود إلي لغة فرض الأمر الواقع بالتأكيد علي أنها لن تتراجع عن بناء السد بالمواصفات المطلوبة.. وأن حصة مصر من مياه النيل مسألة تاريخية.
المشكلة أننا أيضاً نتآمر علي أنفسنا.. لأننا نعبث بالنيل ونفسده.. ونحوله من شريان للحياة إلي مصدر للسموم.. يحمل الأمراض الخبيثة والموت لنا ولأبنائنا ولثروتنا الحيوانية وزراعاتنا.
النيل بسببنا.. وبما نفعله نحن.. لم يعد واهب الحياة وإنما صار يهدد الحياة.. وكلما قرأت عن الجرائم التي نرتكبها في حق النيل رغم الحملات والمبادرات الموسمية أتساءل: ماذا يمكن أن يفعل بنا الأعداء أكثر مما نفعله نحن بأنفسنا؟!
الحقائق صادمة.. والجرائم مستمرة.. ومبادرة وزير الري لحماية النيل نامت في الأدراج.. واسمحوا لي أن أنشط ذاكرتكم ببعض المعلومات من أرشيفي الخاص:
* النيل يستقبل حوالي 16.5 مليار متر مكعب من المجاري وصرف المصانع.. وهناك أكثر من 200 فندق عائم بأسوان والأقصر تلقي كميات كبيرة من الصرف في النيل.
* مصنع ورق قوص يلقي وحده حوالي 24 ألف متر مكعب من المكونات الكيماوية في النيل منذ إنشائه عام .1989
* مصرف الرهاوي بالجيزة أكبر مصادر التلوث.. يستوعب مخلفات 6 مصبات للصرف الصحي غير معالجة بالإضافة إلي حوالي 15 قرية بالجيزة ليست لها صرف صحي وتلقي مخلفاتها في النيل مباشرة.
* الإحصائيات الناتجة عن تحليل المياه تكشف أن مخلفات الصرف الصحي تصل بالتلوث إلي 180 ألف ميكروب في كل 100 مللي مياه.. وهو مستوي كارثي شديد الخطورة.
* نسبة الأمونيا مرتفعة جداً في مناطق الدلتا بسبب الصرف الزراعي الذي يحمل مخلفات الأسمدة.. كما أن فرع رشيد هو الأكثر سمية بسبب الصرف الصناعي والزراعي.. وتتدرج نسبة الأمونيا في مياه الشرب من 2 مللي جرام في كل لتر إلي 14 مللي.. وهي نسبة مرتفعة جداً ومفزعة.. مقارنة بالمستوي العالمي وهو نصف مللي في كل لتر.
* مجري النيل من السد العالي بأسوان إلي القناطر الخيرية يعترضه 66 مصرفاً صحياً غالبيتها غير معالج.. تلقي بسمومها في النهر.. وحتي المصانع تستخدم شبكات الصرف الصحي في تصريف مخلفاتها في النيل مما يؤثر علي قدرة محطات مياه الشرب في تنقية هذه المياه من السموم نهائياً.
* هناك مجتمعات كاملة مازالت تعيش علي ضفاف النيل وفي الجزر النيلية وفي مساكن طرح النهر والمراكب النيلية والعائمات والمطاعم السياحية.. والنيل بالنسبة لهذه المجتمعات يمثل مصب الصرف الصحي ومقلب القمامة.. وبالتالي فهي مصدر خطير لتلوث النهر.
* شبكات الصرف الزراعي التي تصب في النيل تحمل مخلفات الأسمدة والكيماويات المستخدمة في الزراعة والأمونيا والمعادن شديدة السمية علي جسم الإنسان.. ناهيك عن أن هذه المعادن الثقيلة والمواد الكيماوية حيث تعود إلي الأرض الزراعية ثانية في مياه الري تستقر فيها ولا تخرج منها.. وتتسبب في تبويرها علي المدي البعيد.
وأمام كل هذه المخاطر فإن الهيئات المعنية بحماية النيل تكتفي بتحرير المحاضر والمخالفات لكنها لم تؤثر في منع جريمة القتل العمد التي نرتكبها جميعاً في حق النيل.
هل هناك شعوب علي ظهر الأرض مثلنا.. تتآمر علي نفسها؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف