الجمهورية
بسيونى الحلوانى
فشل السلفيين.. ليس هزيمة للمشروع الإسلامي
من بين المصائب التي ابتلينا بها بعد ثورة يناير خداع البسطاء من أبناء هذا الشعب بأن إصلاح الوطن لن يتحقق إلا علي أيدي تجار الشعارات الدينية ولذلك تعاطف الكثيرون مع جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الماضية. كما تعاطفوا مع السلفيين وانتخبوهم وانتظروا حل المشكلات والأزمات وفوجئوا أن البلاد تضاعفت مشكلاتها وأزماتها ومن هنا خرج الشعب بكل طوائفه في ظاهرة غير مسبوقة يطالب برحيل مرسي ويصب جام غضبه علي السلفيين بعد أن تأكدوا أن المشكلات تتضاعف والوطن يئن من أزمات سياسية طاحنة. ومشكلات اقتصادية مدمرة. وانفلات أمني مخيف وأصروا علي رحيل الرئيس الذي جاء بشعارات دينية وترك الفرصة لشخص آخر يري فيه الشعب الحكمة والصبر والقدرة علي تحقيق الوفاق الوطني ويستطيع جمع صفوف المصريين وشحذ هممهم وإخراج أفضل ما بداخلهم من مشاعر وجهد وعمل لصالح الوطن.
ہہہ
هذه التجربة المريرة لم يعيها السلفيون وهم يستعدون لخوض الانتخابات البرلمانية الحالية وتوهموا بأن الجماهير المصرية - وهي صاحبة حس ديني - يمكن أن تلدغ من نفس الجحر مرتين. فكان الدرس قاسياً رغم نجاح الجماعات السلفية في خطف عشرة مقاعد في محافظات مطروح والإسكندرية والبحيرة وبني سويف خلال الجولة الأولي من الانتخابات.
هذا العدد من المقاعد يراه السلفيون فشلاً ذريعاً في الانتخابات ويحملون الحكومة مسئولية فشلهم رغم أنها بشهادة الجميع تقف علي الحياد ولا تنحاز لطرف علي حساب آخر ولا تشغل نفسها من ينجح مادام الجميع سيعمل لصالح الوطن.
تهديدات السلفيين بالانسحاب من الانتخابات لا تتوقف وكأن الحياة في مصر سوف تتوقف لو انسحبوا مع أنهم يعرفون جيداً أن هذا الشعب "كفر" بتجار الشعارات الدينية وهو يريد السلفيين رجال دعوة وأعمال خيرية بعيداً عن السياسة وتقلباتها.
الأكثر خطراً في تهديدات السلفيين وتصريحات قياداتهم خلال الأيام الماضية أنهم يرون كل من يرفضهم أو يختلف معهم فاسداً منحرفاً غير محب للوطن ويعمل علي تدميره مع أن ملفاتهم تزخر بفساد سياسي وأخلاقي يعرفه الجميع.
عقب ظهور مؤشرات نتائج جولة الإعادة أمس أصدر جلال المرة الأمين العام لحزب النور بياناً يحمل الكثير والكثير من مشاعر الغضب والكراهية وكأن الشعب المصري ينتمي إلي دولة إسرائيل التي تخطط ضد كل ما هو إسلامي وتعامل مع نتائج الانتخابات بمشاعر غضب وكراهية وكأن الجماعات السلفية هي الوصية علي الشعب المصري وهي وحدها الأمينة علي مصالحه.
الأخطر في تصريحات السلفيين الغاضبة من رفض الشعب المصري لهم أن بعضهم يعتبر أن الفشل السلفي في الانتخابات الحالية موقف عدائي ضد الإسلام. وهي مصيبة كبري سبق وارتكبتها جماعة الإخوان عندما توهم قادتها أن نظام الحكم الإسلامي يتجسد في التجربة الفاشلة للجماعة في حكم مصر.. وبعضهم يلوح بالتضامن مع جماعة الإخوان لإثارة مشكلات وأزمات جديدة في مصر.
غاب عن بصيرة القيادات السلفية أن الشعب المصري خرج علي الرئيس الإسلامي الذي كان يطلق لحيته ويردد بعض آيات القرآن الكريم. ويصلي الجمعة بحرص أمام كاميرات وسائل الإعلام. ويخطب هنا وهناك بروح إسلامية. ويحتفي بالمشايخ والدعاة الذين يناصرونه ويتضامنون معه.
غابت عن بصيرة السلفيين مشاهد ملايين الشباب والشيوخ والرجال والنساء الذين امتلأت بهم ميادين مصر وشوارعها للاحتجاج علي مرسي وجماعته وطالبوا برحيله ومحاسبته هو والجماعة علي ما ارتكبوا من أخطاء.
علي السلفيين أن يعوا دروس الماضي والحاضر جيداً وأن يعلموا أن هذا الشعب لم يعد يقبل وصاية من حزب أو جماعة أو تيار ديني أو سياسي. وأن حرية الاختيار مكفولة للجميع وعليهم أن يقيموا جسوراً من الثقة مع الشعب بعيداً عن الرشاوي والمنح التي تستهدف التأثير علي قرارات ومواقف الفقراء.
الشعب المصري الذي رفض الإخوان ولم يساند السلفيين في الانتخابات البرلمانية لم يكفر بالمشروع الإسلامي كما يتوهم البعض. وهو يدرك أن سلوك جماعات الإسلام السياسي يبعد كثيراً عن نظام الحكم الإسلامي القويم. فالإسلام لا يعرف النفاق السياسي. ولا يقر الكذب والخداع لتحقيق الأهداف السياسية. ويرفض كل صور الخداع والتزوير للوصول إلي السلطة.. ثم هو لا يقر إقصاء المخالفين ولا يقبل أن يتولي شخص لسلطة لا يجيد تحقيق العدل فيها لمجرد انتمائه أو ولائه لجماعة أو تيار.
لا يمكن أن تستقر علاقة بين شعب ثائر من أجل حريته وكرامته وبين جماعات تحتضن التكفيرين والمتطرفين وترعاهم وهذه هي الخطيئة الكبري التي أطاحت بالرئيس المعزول.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف