الجمهورية
صلاح الحفناوى
أصل الحكاية.. في مشهد النهاية !
ليس بالصراخ الإعلامي.. ولا بالندب والعويل علي مواقع التواصل الاجتماعي.. تحل مشاكلنا.. فالتهويل لا يقل خطورة عن التهوين.. يتساوي في ذلك التناول الهستيري لازمة ¢البامية¢.. والتعاطي المحموم لحكاية ¢مريم صفر الثانوية¢ ومن بعدها ارتفاع سعر الدولار.
هذا بالتحديد ما حدث في التناول الاعلامي لموقعة السيول بالاسكندرية: معلومات بلا تدقيق ومبالغات تتجاوز المعقول وتشنج و¢مكلمخانة¢ لا ترحمنا من الصداع والملل.
وبعيدا عن الصخب الاعلامي المؤسف نقول ان ما حدث في الاسكندرية هو مشهد النهاية في مسرحية عبثية لعب فيها هاني المسيري دور الكومبارس وليس البطولة.. وهو مشهد سيتكرر مع أول سيول مماثلة قادمة.. ليس تشكيكا في جهد يبذل.. ولكن انطلاقا من حقيقة ان ما حدث هو نتيجة فساد مقنن استمر قرابة العقدين ومافيا توحشت ومحليات تعفنت.. وأن اختصار المشكلة في بلاعات مسدودة أو ¢مجاري¢ مرفوعة من الخدمة أو منتهية الصلاحية.. عبث لا يستحق الالتفات.. المسألة اكبر من ذلك واخطر.
دعونا نسترجع بعضا من تصريحات اللواء طارق المهدي المحافظ الذي اغتالته الاسكندرية كما اغتالت المسيري وكما ستغتال المحافظ الجديد أيا كان اسمه.. تلك التصريحات التي أكد فيها ان عدد الابراج المخالفة في الاسكندرية يزيد علي 27 الفا.. وهو ما يعني منشآت قيمتها تزيد علي نصف تريليون جنيه.. فكم يبلغ ثمن التغاضي عن كل هذه المخالفات وتجاهلها حتي يكتمل البناء لتبدأ بعد ذلك اجراءات وهمية للازالة وقضايا عبثية وغرامات هزلية.. كارثة السيول بدأت من هنا.
قبل شهور حذرت في هذا المكان من كوارث قادمة ستكون نتائجها مروعة علي من كانت عروس البحر المتوسط.. قلت ان هذا العدد الهائل من العقارات المخالفة سوف تشكل ضغطا علي المرافق لا يجدي معه اي اصلاح.. بالاضافة الي كونها قنابل موقوتة مرشحة للانهيار.
ما حدث في الاسكندرية هو جزء يسير من الحصاد المر لفساد المحليات وفوضي البناء.. شبكة الصرف الصحي لم ولن تتحمل 3 ملايين و200 الف متر مكعب من المياه خلال 3 ساعات كما حدث يوم الاحد الماضي حتي لو كانت كل البلاعات مفتوحة والمواسير سليمة والشبكة في ازهي عصورها.. لان المرفق مثقل بمليون شقة مخالفة.. وضعت علي الشبكة رغم انف القانون وفي غيبة عقوبات رادعة.
كارثة الاسكندرية بدأت من اللحظة التي تجاهلت فيها الحكومة تحذيرات المهدي من كارثة اذا لم يعاقب مخالفو البناء بالحبس الوجوبي.. الكارثة بدأت من اللحظة التي فسدت فيها الذمم ومنحت الضمائر اجازة مفتوحة وسمح للصوص والبلطجية باستباحة القانون والاستهانة بالأرواح فأقاموا أبراجا.. خربت المرافق وسدت ¢البلاليع¢ بحسب تعبير خبير استراتيجي في شئون ¢المجاري¢ اتحفنا بتخريجاته العبقرية حول الكارثة علي احدي الفضائيات.
كنا نتطلع الي محاربة الفساد لانقاذ الثغر الذي لم يعد باسما.. وأصبحنا نتطلع إلي تقنين الفساد لإنقاذ ما يمكن انقاذه.. أصبحت الدولة مطالبة بتوفير المرافق مليون شقة مخالفة حتي لا تتكرر مأساة الغرق في شبر ماء بدلا من هدم هذه الشقق علي رءوس اصحابها.
الفساد في المحليات هو الكارثة التي اصبحت مستعصية عن اي حل.. وفي هذه اللحظة التي اكتب فيها هذه الكلمات هناك عشرات الابراج المخالفة التي يجري العمل فيها الان في الاسكندرية تحت اعين موظفي الاحياء الذين ينتظرون مع كل برج مخالف جديد لحظة اقتسام الغنائم بعد حملة وهمية يضحكون بها علي ذقن الدولة الحليق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف