فى الوقت الذى يطالب فيه عمال المحلة وكفر الدوار بالحصول على علاوة الـ«10%»، ويعيش الموظفون حالة من الغضب بسبب قانون الخدمة المدنية، ويعبّر أساتذة الجامعات عن سخطهم إزاء الكلام الذى يثار حول خفض مرتباتهم، خرج المستشار عبدالله فتحى، رئيس نادى القضاة، مطالباً بمنح القضاة «شيك على بياض» للإنفاق منه، وأكد أننا فى مصر نتعامل مع القاضى على أنه موظف عام، مع العلم بأن القاضى خليفة الله فى الأرض، ويقوم بأداء رسالة، وليس صاحب سلطة تنفيذية، وألقى على المستشار أحمد الزند، وزير العدل، بمسئولية مخاطبة رئاسة الجمهورية للحصول على «الشيك».
القضاة يقومون بمهمة جليلة -ولا شك- تتصل بحماية العدل وتطبيق القانون بشكل متساو على الجميع، وقد احتج رئيس نادى القضاة فى سياق التدليل على ضرورة منحهم شيكاً على بياض بأنهم خلفاء الله فى الأرض، وربما قال البعض إن كل الأوادم -بغض النظر عن أعمالهم- خلفاء لله تعالى فى الأرض، وقد تخرج فئات عديدة منهم مطالبة هى الأخرى بشيكات مستندة إلى المنطق ذاته، على سبيل المثال بإمكان المعلمين فى المدارس وأساتذة الجامعات أن يستدعوا عشرات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تدلل على دورهم والمهمة الجليلة التى يقومون بها فى العلم والتعليم، ويرددون أحاديث مثل: «العلماء ورثة الأنبياء»، و«العلماء أمناء الرسل على العباد» وغيرها، وتأسيساً على ذلك يطلبون العدل من أصحاب العدل، ليحصلوا هم الآخرون على شيك على بياض.
واحدة من المشكلات التى تواجه السلطة الحالية تتعلق بعدم اعتمادها على ميزان عدل فى التعامل مع كل فئات المجتمع، ففى الوقت الذى تضغط فيه على بعض الفئات الاجتماعية تجدها فى المقابل لا تتعامل بالطريقة نفسها مع فئات أخرى، وبغض النظر عن احتجاج الفئة المميزة بعظمة وروعة الدور الذى تؤديه، فإن من الصعوبة بمكان أن يكون التمييز مقنعاً لأحد، لأن كل فئة فى هذه الحالة ستفتش عن مواطن العظمة والروعة فى ذاتها، وتحتج بها حتى تحصل هى الأخرى على ما يميزها، ويتناسب مع المكانة التى تضع نفسها فيها، وستكون النتيجة أن يتوه الجميع، ومن قبلهم السلطة. وجوهر التيه هنا يرتبط بعدم الإمساك بميزان العدل.
الفئات التى تُحرم تشعر بالظلم حين تجد غيرها مميزاً، تماماً مثلما يشعر الأبناء حين يجدون أباهم يعطى أحدهم مصروفاً سخياً فى الوقت الذى يقول لهم فيه إذا طلبوا منه مصروفاً: «أجيبلكم منين.. ممعييش»، ولم يكن لهؤلاء الأبناء أن يحسوا بالظلم لو أن الأب يعدل بين الجميع، سواء فى المنح أو المنع، لكن أن يميز أحدهم على الآخر فإن ذلك يتسبب فى خلق جيوب نقمة وغضب لا تُحمد عقباها. السلطة مطالبة بالعدل بين الجميع، فذلك هو الطريق الوحيد الذى يمكن أن يخلق بينها وبين الشعب جسر ثقة يجعل المواطن مطمئناً إليها، وقادراً على استيعاب قراراتها. مؤكد أن العدل وعدم التمييز مدخل من مداخل الإصلاح، لا بد أن يضاف إليه جهد آخر فى اتجاه تصحيح البوصلة وبناء الرؤية، يقود إلى أسلوب مختلف فى التعامل مع المشكلات الاقتصادية، بالاعتماد على الفكر الإنتاجى، والابتعاد عن «نظرية الجباية»!