المساء
السيد العزاوى
في رحاب الهجرة التضحية والإيثار .. أهم الدروس
التضحية والايثار للمهاجرين والأنصار علامات بارزة في تاريخ هؤلاء الرجال الذين آثروا الآخرة علي الدنيا ومتاعها.. صفحاتهم مليئة بالقصص والأحداث التي تشير إلي بطولات وأعمال سوف تظل خالدة أبد الدهر نتعلم منها ومختلف الأجيال دروساً متعددة لعلها تضيء لنا معالم الطريق كي نستلهم هذه النماذج ومسيرتها في كل شئون حياتنا مدركين أن الحق تبارك وتعالي يحاسب العباد علي قدر أعمالهم الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها فقط. هؤلاء الرجال تفوقوا علي أنفسهم وفازوا برضا الله سبحانه : "لقد تاب الله علي النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم" 117 التوبة.
وعلي مدي أيام شهر المحرم نعيش بإذن الله في رحاب هذه الأيام وذكرياتها العطرة نستخلص أهم الدروس ونتعايش مع التضحيات ومواقف الايثار التي خاضها وقاد بطولاتها بكفاءة واقتدار.. رجال نذروا أنفسهم لله ورسوله. فها هو مصعب بن عمير.. قد ذهب الي المدينة المنورة موفداً من قبل رسول الله صلي الله عليه وسلم ليعلم أهل هذه الديار القرآن الكريم وقيم الاسلام التي تنشر الود والتراحم وبناء الفرد والمجتمع علي أساس من تلك المباديء وهناك أخذ مصعب يؤدي مهمته بكفاءة وكما تعلم من رسول الله صلي الله عليه وسلم فإن حسن الخلق وسعة الصدر هي القاسم المشترك في تعامل مصعب مع كل الوافدين الي مجلسه بالمسجد حيث كان يقوم بهذه المهمة في أحد أركان المسجد وقد جاء إلي المجلس زعيما الأوس والخزرج وهما قائدا هاتين القبيلتين الأشهر في المدينة.. وحين جاء الأول وسأل مصعب قائلا : ماذا تفعل أيها الرجل؟ فأجابه بكل هدوء : اجلس واستمع فإن أعجبك فاستمر معنا وأن لم يعجبك انصرف عنا. وقد استجاب وأخذ ينصت باهتمام وفي النهاية تسلل نور القرآن الي قلبه فأسلم وقال لمصعب : انني مسموع الكلمة في قبيلتي فدعني اذهب اليهم لعل الله يهديهم للاسلام فتركه يذهب ولم يمض سوي وقت قصير حتي عاد هذا الزعيم وأعلن أن الله هدي قومه فدخلوا جميعاً في الدين الحنيف وهكذا فعل زعيم الخزرج وبذلك مهد مصعب بن عمير الطريق لكي يتم بناء رجال قادرين علي العمل في سبيل الله بكفاءة واقتدار. وتلك اساس القاعدة لدي رسول الله صلي الله عليه وسلم وبُعد نظره الذي يتضمن بناء الرجال قبل الدار وهذه الأفكار كانت هي التي ساهمت في تيسير هجرة أصحاب الرسول صلي الله عليه وسلم من مكة للمدينة. هناك رجال في مكة غرس الرسول الايمان في قلوبهم وحبب الله اليهم هذا الايمان وزينه في قلوبهم هؤلاء باعوا أنفسهم لله ورسوله فتركوا مكة مهاجرين الي المدينة.. وهناك كان في استقبالهم اخوتهم من الأنصار قد فتحوا قلوبهم قبل بيوتهم لهؤلاء المهاجرين وانصهر الجميع في بوتقة واحدة وكانوا علي قلب رجل واحد. حب الله ورسوله أحب اليهم من أنفسهم واهليهم. تلك هي الاسس التي جمعت القلوب بين هؤلاء الرجال وقد تركوا بصمات في كل شئون الحياة. التضحية والايثار من أهم الدروس التي يستفيد بها كل أبناء العالم الاسلامي في بناء مجتمعهم والسعي بكل الوسائل لتطبيق قيم الدين الحنيف ومواكبة التطورات المتعاقبة علي مدي العصور في شتي الميادين والمجالات العلمية والاجتماعية.
ومن هؤلاء الرجال ضمرة بن جندب وشهرته أبوقبيس وكان رجلا قد استقر نور الايمان في قلبه. ولم يستطع البقاء في مكة بعد أن هاجر الرسول صلي الله عليه وسلم مع اصحابه الي المدينة.. فطلب من ابنائه أن يعدوا له راحلة لينطلق الي المدينة المنورة. فقالوا له : يا ابتاه انك رجل طاعن في السن ولا تساعدك صحتك علي السفر الي المدينة الرحلة طويلة والراحلة مرهقة وقد تعرضك للاخطار. لكنه لم يقتنع وأصر علي تنفيذ رغبته وقام الأبناء بتنفيذ رغبة والدهم العجوز وتم تجهيز الراحلة وتوفير كل وسائل الراحة للأب قدر استطاعتهم.
امتطي الرجل الراحلة والسرور والفرح يملأ وجدانه وبدا البشر علي وجهه وبكل السرور رغم الشفقة علي الوالد ودعه الأبناء وتمنوا له رحلة سعيدة والوصول الي المدينة المنورة والاطمئنان في جوار سيد الخلق صلي الله عليه وسلم. وانطلقت الرحلة وأبوقبيس يتغلب علي آلامه وضعف صحته بكل ثبات وتضحية وكان يتطلع أن ينضم الي ركب الرسول صلي الله عليه وسلم وأصحابه لكن شاءت إرادة الله أن تفيض روح أبوقبيس قبل أن يكمل رحلة الهجرة. ومات في الطريق وهناك نزل قول الله تعالي يحمل بشريات لهذا الرجل وكل من يقبل علي طريق الخير قال تعالي : "ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة ومن يخرج من بيته مهاجراً الي الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره علي الله وكان الله غفوراً رحيماً" النساء تلك هي قاعدة عامة في كل الأمور فعلي سبيل المثال من يخرج للحج ثم يدركه الموت فيكتب له بفضل الله ثواب الحج. نماذج من هؤلاء الأوائل.. كانت التضحية والايثار هي الدروس المستقرة في كل تصرفاتهم "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" ليتنا نتعلم ونقتدي والله يهدي من يشاء الي صراط مستقيم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف