د. أحمد جاد منصور
أضواء علي حماية الدستور لحقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية "7"
لأول مرة ينص الدستور في المادة "81" علي حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والأقزام. حيث أكدت المادة علي التزام الدولة بضمان حقوقهم صحيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وترفيهيا ورياضيا وتعليميا وتوفير فرص العمل لهم مع تخصيص نسبة منها لهم وتهيئة المرافق العامة والمحيطة بهم وممارستهم لجميع الحقوق السياسية ودمجهم مغ غيرهم من المواطنين إعمالا لمبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص.
وهنا أتذكر بعض المواقف في عدد من الدول المتقدمة التي قمت بزيارتها تعكس الرعاية التي توفرها حكومات تلك الدول لذوي الاعاقة ومن ذلك تخصيص أماكن انتظار في الجراجات لسياراتهم ويحظر تماما علي غيرهم اشغالها كما شاهدت بنفسي رجلا كفيفا يريد عبور الطريق وكان واقفا أمام اشارة مرور فقام بنفسه بالضعط علي مفتاح يغير الاشارة من النور الأخضر إلي النور الأحمر فالتزمت جميع السيارات بالوقوف فورا فقام بعبور الطريق في أمن وسلام.. كما تقوم حكومات تلك الدول بتوفير منازل من علي الأرصفة لكل مستخدمي الكراسي المحتركة.. وتراعي وجود هذه المنازل في كافة المنشآت الحكومية وغير الحكومية.. وأتمني أن نري جميعا مثل هذه المشاهد الانسانية في كل ربوع البلاد والتي تعكس مدي التقدير والاحترام والرعاية لذوي الاعاقة.
وفي مجال التأكيد علي ضمانات حماية حقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية تنص المادة "94" من الدستور علي أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة وأن الدولة تخضع للقانون وأنه لا يوجد أي انسان فوق المحاسبة والمساءلة وأن من الضمانات الأساسية لحماية الحقوق والحريات استقلال القضاء وحصانته وحيدته فهو ملاذ المظلومين ومأمن الخائفين والسياج المنيع ضد كل من تسول له نفسه الخروج علي القانون.. والقضاء المصري يشهد له القاصي والداني بشموخه وعدالته وإقراره للحق دائما.
وتؤكد المادة "95" من الدستور علي عدة ضمانات أخري لتوفير حماية حقيقية للحقوق والحريات.. ومن ذلك أن العقوبة شخصية ولا يجوز أن تكون علي شخص آخر مهما كانت الأسباب.. وانه إعمالا لمبدأ الشرعية الجنائية لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون.
ومعني ذلك انه لا يجوز التجريم والعقاب إلا بناء علي قانون صادر من السلطة التشريعية بالبلاد.. وبالتالي يحظر أن يتم ذلك من خلال اللوائح أيا كان نوعها لأنه يتم وضعها بمعرفة السلطة التنفيذية وإذا سمح بذلك يعد اعتداء علي السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص الأصيل في هذا الشأن.
ولما كان الأصل العام هو أن الأفعال والتصرفات مباحة ومشروعة فإن المشرع حينما يريد تجريم بعض الأفعال والتصرفات لعدم مشروعيتها فانه يجب أن ينص عليها صراحة في القانون وأن يحدد العقوبات بشأنها ومن هنا لا يجوز للقاضي أن يجرم فعلا مباحا لم ينص علي تجريمه في القانون ولا أن يحكم بعقوبة أشد أو أخف من العقوبة المنصوص عليها قانونا.
كما أكدت ذات المادة علي انه لا توقع أي عقوبة علي أي انسان إلا بحكم قضائي.. وانه لا عقاب إلا علي الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون.. بمعني انه إذا كان الفعل مباحا وارتكبه أحد الأشخاص ثم صدر في تاريخ لاحق قانون يجرم هذا الفعل.. فلا يمكن عقاب هذا الشخص طبقا لهذا القانون لأن الفعل الذي ارتكبه كان مباحا في هذا الوقت وبصفة عامة تجدر الاشارة إلي أن القوانين لا تطبق بأثر رجعي إلا إذا كانت أصلح للمتهم.
وتشير المادة "96" إلي أن المتهم بريء حتي تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة.. لأن الأصل هو البراءة.. وينبغي أن نتعامل مع أي انسان علي هذا الأساس.. وهذه رسالة واضحة إلي الجميع وبصفة خاصة بعض وسائل الإعلام التي تسارع في إلقاء التهم علي البعض دون التحقق أو الانتظار لنتائج التحقيقات أو المحاكمات لأن الانسان لا يكون مدانا إلا بعد صدور حكم قضائي بات ضده ومعني الحكم البات هو الذي استنفد جميع طرق الطعن العادية وغير العادية بشأنه وأصبح عنوانا للحقيقة.
كما أكدت المادة انه يجب توفير ضمانات للمتهم للدفاع عن نفسه ولابد في الجنايات أن يكون للمتهم محام يدافع عنه.. وإذا لم يكن لديه القدرة علي ذلك تنتدب له المحكمة أحد المحامين المقيدين بنقابة المحامين للدفاع عنه.. ويعد المتهم والمحامي شخصا واحدا لا يجوز الفصل بينهما سواء في مرحلة التحقيقات أو المحاكمة.
كما تشير المادة في نهايتها إلي أن الدولة توفر الحماية للمجني عليهم والشهود والمتهمين والمبلغين عند الاقتضاء وفقا للقانون ولكن - للحقيقة - لا نلمس وجود أي آليات علي أرض الواقع أو برامج حقيقية لحماية الشهود والمبلغين من بطش المتهمين بسبب قيامهم بالابلاغ عنهم أو الإدلاء بشهادتهم الأمر الذي يؤدي إلي إحجام الكثيرين عن الابلاغ عن العديد من الجرائم أو الشهادة فيها رغم أن شهاداتهم تكون علي درجة كبيرة من الأهمية.
وفي ضوء تزايد الجرائم وخطورتها في الكثير من دول العالم.. قامت العديد من الدول بوضع برامج حقيقية تكفل توفير حماية كاملة للمبلغين والشهود في الجرائم الهامة والخطيرة.. تضمنت تغيير أماكن اقامتهم.. وكذا توفير حماية وتأمين لهم.. وقد يصل الأمر إلي تغيير ملامحهم الشخصية واعتقد انه آن الأوان للإطلاع علي تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال.. بهدف وضع برنامج متكامل لحماية المبلغين والشهود في مصر يتلاءم مع ظروفنا وعاداتنا وتقاليدنا.. ولاشك ان هذا البرنامج أصبح ضروريا خاصة في ظل المستجدات والمتغيرات التي طرأت مؤخرا علي الساحة الأمنية وتزايد الجرائم وجسامتها.. اضافة إلي الجرائم الإرهابية.. ونؤكد أن سرعة إقرار هذا البرنامج سوف يسهم إلي حد كبير في الحد من الجرائم ويساعد في الكشف عن الكثير منها واثبات الأدلة علي مرتكبيها.
وللحديث بقية.