المساء
خيرية البشلاوى
استفزاز
مر أكثر من أسبوع وأنا أحاول أن أهزم حالة التردد التي منعتني من التعليق علي تحقيق نشرته إحدي الصحف الأسبوعية عن حفل زفاف تكلف أكثر من 2 مليون دولار.
العروس ابنة رجل أعمال يتاجر في البطاطس. والعريس ابن مسئول سابق بدرجة نائب وزير في وزارة سيادية.
حضر الفرح عدد كبير من رموز السياسة من النظام الأسبق والسابق والحالي ورجال أعمال كبار مصريين ولبنانيين ونجوم رياضة وسينما مشاهير.... إلخ...
وحسب التحقيق المزين بعدد من الصور. أقيم الفرح علي الطريقة اللبنانية وجميع تفاصيله مستوردة من الخارج بدءا من الورود والديكورات مرورا بالمأكولات والمطربين والفرق الاستعراضية. أحدهم تقاضي 100 ألف دولار وفستان العروس بخمسين ألف دولار. وقد تم عرض فيديو للقصر الذي يملكه الأب والذي أعد للعروسين فاللهم لا حسد.. والمعلومات منشورة بتفاصيل أكبر ولا أخفي مشاعر الاستفزاز التي غمرتني وأنا أقرأ تفاصيل حدث يستغرق ساعات ويتكلف ملايين الدولارات وكان من الممكن أن يمر دون أن ألتفت كثيرا لولا الحديث المطول الذي يملأ أجهزة الإعلام عن أزمة الدولار الطاحنة والأزمة الاقتصادية التي أوصلت مصر إلي عنق الزجاجة.
لم تراع الصحيفة السياق الاجتماعي والاقتصادي والحرب الطاحنة التي شدتنا إلي كل الأصعدة. أو لعلها تعمدت بهذه العناوين الكبيرة في صدر الصفحة أن تعلن عن استمرار الزواج السعيد بين السلطة والمال وقصة الغرام الأبدية التي جرتنا إلي ما نحن فيه وإلي ما أدي إلي حدوث ثورات لم تسفر عن شيء حتي الآن علي الصعيد الاقتصادي بصورة خاصة.
ولم يراع أصحاب الفرح المعنيين بالشأن العام كما افترض أن مصر تعاني أزمة دولار طاحنة أوصلته إلي سعر غير مسبوق. مما يهدد بثورة اجتماعية إذا ارتفعت الأسعار بأكثر مما هي عليه.
التفاصيل التي أوردها الصحفي المصور المدعو أبداً في حفلات الأفراح والليالي الملاح تستفز الفيل شخصيا إذا كان من سكان بلد تحارب علي كل الجبهات وتستفز الشباب المتعطلين الذين أحجموا عن الذهاب إلي الانتخاب يأسا من حدوث أي تغيير.
لقد شعرت فعلا بالتردد لأنني لا أريد أن أسهم في زيادة مشاعر اليأس والاكتئاب علما بأنني شخصيا متفائلة بالمستقبل.. ولكن ما شعرت به من استفزاز يشعر به أي قارئ يدرك كنه المعركة أو المعارك التي فرضت علينا وآخرها المعركة الاقتصادية التي تخوضها حاليا جماعات الإخوان المتحدين ضد مصر.
مثل هذا الاستعراض للثروة وزواجها من السلطة ينطوي علي دلالات ليست في صالح المستقبل والذين استمتعوا بهذه الوليمة الكبري التي تكلفت ما يعادل بالجنيه المصري 16 مليون جنيه يدركون قبل غيرهم وخصوصا محترفي السياسة منهم أن الطلاق بين الاثنين "السلطة والمال" مازال بعيد المنال.
صحيح أن هذا الزفاف الهاروني "نسبة إلي هارون الرشيد" ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير بطبيعة ما هو قائم وسبق أن قرأنا أن عشرات الحفلات المشابهة كما يشاع حاليا عن أرقام ينفقها أصحاب الثروات الكبري يفوق الخيال. ويكشف الغطاء عن أسباب إفقار مصر والمصريين.
ولقد كان من الممكن وأحوال المصريين كذلك أن يفرح أصحاب المال والنفوذ بعيدا عن الاستعراض الإعلامي حتي لا يصابوا بعين حسود. فالحساسية الاجتماعية والوعي السياسي بحساسية المرحلة يحتم التستر علي ما يثير حفيظة الناس في ظروف بالغة الصعوبة التي نعيشها الآن. وفي وقت يتم فيه القبض يوميا علي المخربين والمتربصين باقتصاد البلاد وأمنه
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف