المساء
مؤمن الهباء
انتفاضة.. بلا زعامات
ليست باسم فتح ولا باسم حماس.. ليست بزعامة خالد مشعل ولا بزعامة عباس.. إنها انتفاضة الشعب الفلسطيني غير المصنف.. الذي لا ينتمي لأي فصيل ولا لأي زعامة.. إنما ينتمي فقط إلي الوطن الذي يضيع قطعة قطعة.. انتفاضة المواطن الذي يستشهد دون أن يعرف حتي اسمه ودون أن يقام شاهد علي قبره أو تقام له جنازة شعبية ويصلي عليه.. فقد قررت إسرائيل أن تقتل القتيل ولا تسلم جثمانه لذويه حتي لا يتحول إلي بطل أو رمز.
إنها انتفاضة الشعب الذي وصلت به السياسة إلي طريق مسدود.. ولم يعد لديه أمل في التفاوض المذل وألاعيب السياسيين وتصريحاتهم المراوغة.. انتفاضة الشباب الذي ولد بعد اتفاق أوسلو أو كان طفلا وربما صبيا عندما بدأ مسار أوسلو.. ثم أدرك الآن أن أوسلو كانت أكذوبة وخديعة كبري يجب أن تنتهي.
هذا الجيل كان يحلم بالسلام في إطار حل الدولتين.. لكنه رأي بعينيه كيف تماطل إسرائيل في السلام وتتهرب من حل الدولتين.. هي تستمر في بناء المستوطنات وتدمير منازل الفلسطينيين ومزارعهم وتهديد المقدسات وتمزيق الأرض إلي أشلاء صغيرة حتي تتحول الدولة الفلسطينية إلي حلم مستحيل التحقيق علي الأرض.
هذا جيل انتفاضة السكاكين الذي أعيته حيل وألاعيب السياسة والسياسيين.. وحركته طاقة الغضب وعزيمة الكفاح لتحرير أرضه وتحرير إرادته من قيود التفاوض.. فخرج يواجه آلة القتل الإسرائيلية بالحجر ويدافع عن نفسه بالسكاكين.. كي يعلن للعالم كله أنه لم يمت ولن يموت.. تأتي الزعامات وتمضي.. لكنه هو الباقي.. وهو القادر دائما علي أن يجد لنفسه بداية جديدة وصياغة جديدة.. وها هو الآن يسير في شوارع القدس بينما يختبيء المستوطن المغرور المدجج بالسلاح خوفا من الطعن والقتل.. ويفر من أمامه الجندي المتدثر ببدلة الميدان.
هذا الجيل ليس لديه ما يخسره أكثر من الأرض.. فقد كتب عليه أن يولد ليعيش ويموت من أجل الأرض.. لم يعد القتل يخيفه.. فالآلة العسكرية تقتل شعبه في كل وقت وحين.. هذا ليس جديدا.. ومن لم يقتل اليوم سيقتل غدا.. كلهم مشروع شهيد.. هي تقتل في كل الأحوال ولا تنتظر الانتفاضة.. لذلك كان لابد أن يكون هناك متغير جديد في المعادلة.. وبفطرته اكتشف أن هذا المتغير هو هاجس السكاكين الذي يطارد الإسرائيليين في كافة أماكن تواجدهم.. حتي في منازلهم.. وخلت شوارع المدن من المارة.. وتشهد الأسواق الإسرائيلية حالة من الركود الاقتصادي غير المسبوق في مثل هذا الوقت من العام.
لم يخطط أحد لانتفاضة السكاكين.. لم تطلقها حركة مقاومة أملا في تحريك الموقف وصولا إلي جولة جديدة من المفاوضات.. وقد اعترف جادي ايزنكوت قائد هيئة الأركان العسكرية الإسرائيلية بأنه لا يوجد حل عسكري واضح أمام الجيش للأحداث الجارية في القدس والضفة.. لأن الشبان الفلسطينيين الذين نفذوا عمليات ضد إسرائيل ليسوا منظمين ولا يوجد أي فصيل فلسطيني ينتمون إليه.. وليس لهم قيادة تحركهم.
لذلك كان طبيعيا ألا نسمع صوتا لكل من تاجروا بالقضية الفلسطينية وتكسبوا من النضال أمام الكاميرات والميكروفونات.. هؤلاء جميعا صار مكانهم الطبيعي هو الجحور.. بينما إسرائيل لا تكتفي بقتل الشباب وهدم منازل ذويهم وإنما امتد إجرامها إلي تدمير قبور الشهداء بالقنابل.. شيء لم يسبق له مثيل في التاريخ.
وأمام التقارير الأجنبية التي تحلل وتفند مستقبل السلام المظلم بين فلسطين وإسرائيل.. وتتحدث عن الإرهاب الفلسطيني المتصاعد.. ستجد تصريحا ساخرا لنتنياهو بأنه "يشجب" بقوة أي هجمات ضد الأبرياء العرب.. بينما عجز العرب عن إصدار بيان مماثل حتي بالشجب والإدانة.. فلم يعد فيهم أمل أمام عزيمة شاب وطفل يحملان حجرا وسكينا لرسم مستقبل وطن حر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف