فوجئ المصريون بقرار إعفاء عادل لبيب من منصبه كوزير للتنمية المحلية، ضمن التغيير الوزارى الأخير الذى أطاح برئيس الوزراء إبراهيم محلب وعدد من الوزراء الآخرين.
لم يكن هناك مبرر للإقالة فى هذا الوقت، والرجل يمسك بالكثير من الملفات المهمة والحيوية، لم يقصر فى أدائه ولم يتورط فى ارتكاب أى مخالفة طيلة عمله الوظيفى والتنفيذى.
والحقيقة أن عادل لبيب يمثل تجربة خاصة فى الإدارة والأداء، وهى تجربة أشادت بها الكثير من المنظمات العربية والإقليمية والدولية، كان من أبرزها فوزه بجائزة القرن الحادى والعشرين للإنجازات من المركز الدولى للسير الذاتية بكامبردج بإنجلترا، وفوزه بجائزة رجل العام لعام 2001 من المركز الأمريكى للسير الذاتية، واختياره من المركز البريطانى للسير الذاتية ضمن الشخصيات البارزة للموسوعة الخاصة بأصحاب العقول المتميزة والعظيمة.
وفى عام 2001 تم اختيار عادل لبيب «رجل البيئة» كما تم اختيار محافظة قنا أجمل وأنظف بيئة على مستوى الجمهورية مما أهلها للحصول على شهادة الأيزو فى نظم الإدارة البيئية لعام 2004، كما حصل فى نفس العام على جائزة «محمد بن راشد» للإدارة، فى مؤتمر المدن العربية الذى عقد فى «دبى» فى نفس العام.
وقد شكل عادل لبيب بتجربته المتميزة ظاهرة فريدة احتفت بها الجماهير أولاً، قبل المراكز المتخصصة فى علوم الإدارة والسير الذاتية، ويوم أن غادر قنا محافظاً للبحيرة ثم بعدها إلى الإسكندرية شعر أبناء قنا بأنهم افتقدوا شيئاً عظيماً ورجلاً متميزاً، لديه قدرة على الإبداع الإدارى والتنفيذى والإنسانى بشكل مكنه من القضاء على كل معوقات التنمية والتقدم وأولها العصبية والقبلية.
ويتميز عادل لبيب بحس إنسانى متميز، يقابله حسم وعدل منقطع النظير، فالفترة التى قضاها محافظاً لقنا من 1999 إلى 2006، كان فيها عنواناً للإنسانية والحزم والعدل فى نفس الوقت، ويتذكر أبناء محافظة قنا الكثير من المواقف التى لا تزال تحكى حتى اليوم، كعنوان على الإدارة الناجحة، لرجل تميز بالجرأة والنزاهة فى قراراته التى استطاعت أن تحدث نقلة نوعية فى قنا لا تزال مضرب الأمثال.
وقد اصطدم عادل لبيب فى الإسكندرية ببعض أصحاب النفوذ والمخالفين، فشنوا عليه حملة إعلامية وصحفية استهدفت النيل منه، إلا أن استمراره فى اقتحام المشكلات المزمنة، وهدم مخالفات البناء واقتحام المناطق العشوائية، أظهرت قدرته على المواجهة دون أن يعبأ بحملات المغرضين.
ورغم أن هذه الحملة نالت منه بعض الشىء، فإنها لم تعطل مسيرته أو تدفعه إلى التراجع، بل ظل على صموده حتى اليوم الأخير لتوليه المسئولية، وبعد أحداث 25 «يناير» وما تلاها من قيام الإخوان بإحراق مسكنه ومبنى المحافظة، كان طبيعياً أن يتم إبعاد عادل لبيب عن المسئولية ضمن التغييرات التى شهدتها البلاد فى هذا الوقت.
وفى أغسطس من عام 2011، أصدر المشير حسين طنطاوى قراراً يقضى بعودة عادل لبيب محافظاً لقنا، وقد لقى القرار ترحيباً واسعاً من كافة أبناء قنا، الذين طافوا بمحافظهم فى شوارع المدنية، وهم يهتفون مرحبين بقرار عودته ليحتل موقعه مجدداً، ويستكمل رحلة عطائه فى هذا البلد.
ورغم الظروف الأمنية الصعبة التى عاشتها البلاد فى هذا الوقت، وحالة الانفلات التى تسببت فى عرقلة تنفيذ العديد من القرارات المهمة والأساسية لعمل وأداء المحافظين والمسئولين، فإن عادل لبيب استطاع أن يخترق الجدار، وأن يبدأ مجدداً فى استكمال مسيرة التنمية والإنجاز، مقدماً بذلك نموذجاً متميزاً عن بقية المحافظات.
ويمتلك عادل لبيب قدرة رهيبة على الاحتواء الإنسانى حتى مع من يخالفونه الرأى، يساعده فى ذلك هدوؤه وقدرته على تحمل الاستفزازات والرد عليها فى إطار يُعلى المصلحة العامة على ما عداها، مما جعل منه نقطة محورية وركيزة يلتف حولها الجميع من جميع الاتجاهات والقيادات.
ومنذ أن تولى منصب وزير التنمية المحلية فى أعقاب ثورة الثلاثين من يونيو، ترك عادل لبيب بابه مفتوحاً للجميع، وتحول مكتبه إلى «دوار العمدة» كاشفاً عن قدرة غريبة على التواصل دون كلل أو ملل من السابعة صباحاً إلى وقت متأخر من المساء كل يوم.
ويمتلك عادل لبيب ذاكرة قوية، ربما لا يمتلكها شباب من سن أبنائه، فإذا ما جلست معه واستمعت إليه تبدو مندهشاً وهو يغوص فى أعماق التاريخ والسنوات ليذكرك بأحداث أو يحكى لك تفاصيل حوار جرىء بينك وبينه منذ عدة سنوات، وتبدو عندما تستمع إليه كأنها المرة الأولى، بينما هو يحفظ تفاصيل التفاصيل. واستطاع عادل لبيب فى فترة توليه منصب وزير التنمية المحلية أن يضع الكثير من النقاط على الحروف، وأن يعيد صياغة منظومة الحكم المحلى، وأن يعد مشروعاً لقانون الإدارة المحلية هو قيد الإصدار، وأن يطلق «مشروعك» الذى استهدف مساندة الشباب والعاطلين فى إقامة مشروعات صغيرة بمساندة عدد من البنوك التى جرى الاتفاق معها لهذا الغرض.
وقد سعى البعض إلى إعلان الحرب على «مشروعك» لغرض فى نفس يعقوب، وحاول البعض الآخر تحميله مسئولية اختيار عدد من المحافظين الذين ثبت فشلهم، مع أنه من كل ذلك براء، ومع ذلك التزم الصمت وتحمل جميع الهجمات دون أن ينطق بكلمة واحدة.
وعندما علم عادل لبيب بقرار إعفائه من منصبه فى إطار التغيير الوزارى الأخير، تقبل القرار بهدوء، وقال: «كلنا جنود نؤدى دورنا ثم يأتى غيرنا ليستكمل هذا الدور»!
وهكذا يقدم عادل لبيب نموذجاً مختلفاً فى الأداء والتمسك بالقيم والانتماء، لا يحكمه المنصب أو المصلحة، وإنما الإيمان الحقيقى بالوطن والناس والولاء الكامل للدولة بكل مؤسساتها، والحرص على أمنها واستقرارها.
إن هذا النموذج سيبقى عالقاً فى ذاكرة المصريين، ليس لأنه قدم تجربة متميزة فى المحافظات التى تولى المسئولية فيها، وفى مقدمتها محافظة قنا، وإنما لأن عادل لبيب المسئول والإنسان شكل نموذجاً يحتذى فى الإخلاص والنزاهة والشرف والقدرة على تحقيق المستحيل وبأقل الإمكانيات.
منذ أن تولى منصب وزير التنمية المحلية فى أعقاب ثورة الثلاثين من يونيو ترك عادل لبيب بابه مفتوحاً للجميع وتحول مكتبه إلى «دوار العمدة»